إنّ نجاح المبادرات الإنسانية التي استضافتها المملكة العربية السعودية انعكاس حقيقي لسداد رأي وبُعد نَظر قادة المملكة الذين استطاعوا بناء علاقات متوازنة مع جميع القوى والأطراف الدولية، وميزها عن غيرها حتى أصبحت أرضها موطناً للسلام.. حِفظ النفس البشرية من الهلاك، وحِفظ المجتمعات من الصِراعات المُدمرة، وتعزيز حالة الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي، وتعزيز التنمية المستدامة الهادفة للتطور والرخاء والازدهار، قيم أصيلة ومبادئ سامية تميزت بها سلوكيات وممارسات وسياسات المملكة العربية السعودية حتى أنها أصبحت رمزاً دولياً لصناعة السلام والاستقرار الإقليمي والدولي، وعنواناً للدول الباحثة عن التطور والبناء وتحقيق التنمية المستدامة في جميع المجالات. وهذه الرمزية الدولية التي تميزت بها المملكة العربية السعودية جعلت منها موطناً ومكاناً لحل النزاعات والصراعات الدولية الكُبرى ومنها النزاع أو الصراع الأوكراني - الروسي الذي بدأ في فبراير 2022م. وبما أن المملكة اتصفت بأنها صانعة للأمن والسلام والاستقرار الإقليمي الدولي، فهذه الصفات تعني بالضرورة أنها تتصف بالبناء والتطور والتحديث المؤدي للتنمية المستدامة والمحقق للرفاه والرخاء والازدهار، انطلاقاً من أن من يدفع ويسعى للأمن والسلام والاستقرار فإنه حتماً يدفع ويسعى للبناء والتطور والتحديث والتنمية المستدامة على جميع المستويات وفي كل المجالات. فإذا أدركنا هذه المعادلة السياسية الأصيلة والثابتة والراسخة عن المملكة العربية السعودية، فإننا سندرك معنى أن تكون المملكة منطلقاً للمبادرات الإنسانية الجليلة الهادفة لوقف النزاعات وحل الصراعات بالطرق والأساليب والأدوات الدبلوماسية والسياسية، ومن ذلك مبادرتها الإنسانية المتمثلة بدعوتها لاجتماع يبحث عن حلول لإنهاء الأزمة الأوكرانية وتحقيق السَّلام بين أوكرانياوروسيا من خلال الحوار والمفاوضات والنقاشات الدبلوماسية البنَّاءة والهادفة. نعم، جاءت استضافة المملكة العربية السعودية لاجتماع البحث عن السلام للأزمة الأوكرانية في أغسطس 2023م امتداداً للجهود السياسية والإنسانية السَّامية التي بذلها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - مُنذُ اليوم الأول الذي بدأت فيه الأزمة بين جمهورية روسيا الاتحادية وجمهورية أوكرانيا في فبراير 2022م، ما ساهم مساهمة مباشرة في تغليب الجوانب الإنسانية على غيرها من جوانب، وأدى بشكل أساسي للإفراج عن عدد من أسرى الصراع بين الجانبين، بالإضافة لدعوات السَّلام المتكررة التي تبنتها المملكة تجاه إحلال السلام وإنهاء الصراع المُسلح بين الدولتين الجارتين في القارة الأوروبية، وهذا الذي أكد عليه بيان استضافة المملكة لاجتماع السَّلام للأزمة الأوكرانية الذي بثته واس في 4 أغسطس 2023م حيث جاء فيه: "تستضيف المملكة العربية السعودية اجتماعاً لمُستشاري الأمن الوطني وممثلي عدد من الدول بشأن الأزمة الأوكرانية في مدينة جدة.. وتأتي استضافة هذا الاجتماع استمراراً للمبادرات الإنسانية والجهود التي بذلها في هذا الإطار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، والاتصالات التي أجراها سموه - حفظه الله - مع القيادتين الروسية والأوكرانية منذ الأيام الأولى للأزمة، وإبداء سموه استعداد المملكة للقيام بمساعيها الحميدة للإسهام في الوصول إلى حل يفضي إلى سلام دائم، ودعمها لجميع الجهود والمبادرات الرامية للتخفيف من آثار الأزمة وتداعياتها الإنسانية، وتتطلع حكومة المملكة أن يسهم هذا الاجتماع في تعزيز الحوار والتعاون من خلال تبادل الآراء والتنسيق والتباحث على المستوى الدولي حول السبل الكفيلة لحل الأزمة الأوكرانية بالطرق الدبلوماسية والسياسية وبما يعزز السلم والأمن الدوليين، ويجنب العالم المزيد من التداعيات الإنسانية والأمنية والاقتصادية للأزمة." وحيث إن الهدف من هذه المبادرة الإنسانية التي تبنتها المملكة يتمثل في السعي لإنهاء الأزمة الأوكرانية بالطرق السلمية، فقد جاء بيان ختام أعمال الاجتماع، الذي بثته واس في 06 أغسطس 2023 م، مؤكداً على النهج والمنهج الدبلوماسي لإنهاء الأزمة حيث جاء فيه: "عُقد يوم السبت ال5 من أغسطس 2023م، في جدة اجتماع لمستشاري الأمن الوطني وممثلين لأكثر من أربعين دولة ومنظمة دولية، بما في ذلك الأممالمتحدة، وقد عبر المشاركون عن شكرهم وتقديرهم لقيادة المملكة العربية السعودية للدعوة لهذا الاجتماع واستضافته، واتفق المشاركون على أهمية مواصلة التشاور الدولي وتبادل الآراء بما يسهم في بناء أرضية مشتركة تمهد الطريق للسلام، كما أعربوا عن أهمية الاستفادة من الآراء والمقترحات الإيجابية التي تم بحثها في الاجتماع." وهذه المُبادرة الإنسانية التي تقدمت بها المملكة لاستضافة اجتماع يبحث عن سُبل لإنهاء الأزمة الأوكرانية سبقتها مبادرات إنسانية عديدة ومنها حزمة المساعدات الإنسانية لأوكرانيا التي أشارت لها واس في 26 فبراير 2023م بالقول: "تنفيذاً لما أعلنت عنه المملكة في منتصف شهر ربيع الأول 1444 ه (أكتوبر 2022م)، خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، بفخامة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي رئيس أوكرانيا، بتقديم حزمة مساعدات إنسانية إضافية لأوكرانيا بمبلغ 400 مليون دولار، و(تم توقيع) اتفاقية ومذكرة تفاهم بين المملكة وأوكرانيا، وذلك بقيمة تصل إلى 400 مليون دولار أمريكي. وتتضمن الاتفاقية برنامج تعاون مشترك لتقديم مساعدات إنسانية من المملكة لأوكرانيا بقيمة 100 مليون دولار أمريكي، كما تتضمن مذكرة التفاهم تمويل مشتقات نفطية بقيمة 300 مليون دولار كمنحة مقدمة من حكومة المملكة العربية السعودية من خلال الصندوق السعودي للتنمية لصالح أوكرانيا، ويعكس التوقيع على الاتفاقية ومذكرة التفاهم حرص حكومة المملكة العربية السعودية على دعم أوكرانيا وشعبها الصديق في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، والإسهام في تخفيف الآثار الإنسانية الناجمة عنها." وإذا كانت هذه المبادرة الإنسانية تُعبر بصدق عن تطلع المملكة العربية السعودية لإنهاء الأزمة الأوكرانية بالطرق السلمية والدبلوماسية والسياسية، فإنها كذلك تعبر بجلاء عن سياسات وسلوكيات وممارسات وتطلعات المملكة لإحلال الأمن والسلام وإنهاء الصراعات والنزاعات الإقليمية والدولية في كل مكان. نعم، إن دفع وسعي المملكة العربية السعودية الدائم نحو تحقيق الأمن والسلام والاستقرار الإقليمي والدولي ساهم مساهمة مُباشرة في توحيد الجهود الإقليمية والدولية لتخفيف حدة الخلافات والتوترات المؤدية للصراعات والنزاعات ودفع بالدول للالتزام بقواعد القانون الدولي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، بالإضافة لتذكير المجتمع الدولي بشكل دائم بأهمية الوقوف صفاً واحداً في مواجهة التطرف والإرهاب والانحرافات السلوكية السياسية المؤدية للصراعات والحروب المُدمرة. وفي الختام من الأهمية القول إن الذي جعل من المملكة موطناً دولياً لتقديم المبادرات الإنسانية وعقد الاجتماعات الهادفة للسلام والاستقرار الإقليمي والدولي يتمثل بتوازن علاقاتها الدولية مع جميع الأطراف من غير انحياز لأي طرف في حياد سياسي تام وهادف لتحقيق المصالح العليا المشتركة للشعوب والدول. نعم، إن نجاح المبادرات الإنسانية التي استضافتها المملكة العربية السعودية انعكاس حقيقي لسداد رأي وبُعد نَظر قادة المملكة الذين استطاعوا بناء علاقات متوازنة مع جميع القوى والأطراف الدولية وميزها عن غيرها حتى أصبحت أرضها موطناً للسلام، وعاصمتها قِبلة لزوارها من قادة العالم، وملوكها وقادتها رُموزاً للحكمة وحسن القيادة السياسية. نعم، هكذا هي المملكة حيث تؤكد سياساتها ومواقفها الدائمة بأنها منارة وموطناً للسلام الإقليمي والدولي والعالمي، وفي الوقت نفسه قوة دولية حازمة وجبَّارة عند مواجهة التطرف والإرهاب والسلوكيات السياسية الهدامة والمُنحرفة.