لطالما كان لفصل الصيف جماله وخصوصيته التي نحبها منذ الصغر، وذلك لارتباطه بالإجازة الصيفية، والتحرر من الالتزام الدراسي للطلبة، وارتباطه بالسفر والترحال، والأفراح العائلية وحفلات السمر. ولكن يبدو أن للتغيرات المناخية رأياً آخر.. ففي السنوات الأخيرة ارتفعت درجات الحرارة بشكل ملحوظ، نتيجة لعوامل كثيرة ضمن ما يُعرف بالتغير المناخي. ففي ظل تحذيرات من قبل الأممالمتحدة، من أن العالم قد سجل أعلى درجات حرارة، رُصدت في تاريخه هذا العام، تعيش العديد من الدول العربية، على وقع درجات حرارةٍ عالية جداً، خلال الأيام الماضية، وصلت في بعض الدول إلى خمسين درجة مئوية، في وقتٍ تُشير فيه التحذيرات، إلى أن الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة، سيستمر لنهاية شهر أغسطس، بفعل ما اصطلح الخبراء على تسميته، ب»ظاهرة القبة الحرارية». ويلاحظ بشكل كبير أن هناك علاقة بين التغيرات الحياتية التي تحدث كنتيجة طبيعية للتغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة في العالم أجمع، وتأثيره الذي يتركه على الحالة المزاجية والنفسية للإنسان. ارتباط وثيق وقد شغل موضوع العلاقة بين الإنسان وبيئته أفكار وآراء الكثير من العلماء والباحثين وخبراء المناخ أيضاً، وحول ذلك التأثير السلبي لارتفاع درجات الحرارة على الحالة المزاجية والنفسية للبشر، أوضح الباحث والأكاديمي مثنى فاضل علي، في إحدى دراساته الأكاديمية التي نشرت ضمن برنامج النشر العالمي في جامعة الكوفة، كيف تتأثر سلوكيات الإنسان وانفعالاته وصحته النفسية بأحوال الطقس؟ وأشار إلى أنه منذ القدم لاحظ الإنسان أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين حالة الطقس فى فصول السنة مع حالة المزاج للإنسان! حيث نوّه إلى أن الشتاء يرتبط بالانفعالات النفسية الحادة، بينما فصل الربيع يريح النفس، في حين ارتبط الخريف بالهدوء والسكون، وأكد على أن لدرجات الحرارة المرتفعة أثراً كبيراً في المزاج وطريقة التفكير والاستيعاب، وبالتالي على القدرة الإنتاجية والسلوك. ويؤكد العلماء على أن هناك تأثيرات كهربائية ومغناطيسية تتفاعل معها أجهزة الإنسان، نتيجة وجود علاقة بين الحالة النفسية والمزاجية الاضطرابية السلوكية للإنسان وبين التغيرات الجوية، وأنه يمكن أن يشعر الإنسان في فصل الشتاء والخريف بالاكتئاب مثلاً. بينما تعمل درجات الحرارة الشديدة على زيادة الشعور بعدم الارتياح، وصعوبة التحمل، وقلة التركيز والاستيعاب مما يؤدي إلى زيادة حدة المزاج والاندفاعية والعصبية ومن ثم العنف لأي مثير ولو كان بسيطاً. وتشير بعض الدراسات أيضاً إلى أن تغيرات الطقس الحارة لها أثر كبير على العلاقات الاجتماعية، إذ ثبت أن المشاحنات والعنف بين المساجين تقل في الطقس المعتدل مقارنة بالطقس الحار. وفيما يتعلق بالطلاب نجد أن نسبة المشاحنات والعنف تكون أعلى في الطقس الحار، مما يؤثر بدوره على التركيز والاستيعاب والتحصيل العلمي للطلاب. وتشير الإحصائيات إلى أن هناك زيادة في نسبة الإصابة بالقلق والاكتئاب النفسي فى الأشهر التي تشهد ارتفاعاً في درجة الحرارة والرطوبة، حيث يميل الأشخاص إلى الكسل وقلة النشاط، بينما يزيد الجو البارد من النشاط والحركة والإنتاجية. وبحسب دراسات عديدة، فإن التغير المناخي يؤدي أيضاً إلى زيادة انتشار الاضطرابات النفسية والعقلية، ويمكن أن يزيد كل ارتفاع في درجة الحرارة القصوى بنحو 1 درجة مئوية من انتشار هذه الاضطرابات بنسبة 2 %. كما يمكن أن يؤدي الارتفاع في درجة الحرارة والجفاف إلى زيادة مستويات الانتحار والعدوانية والعنف في المجتمعات. الوقاية ثم الوقاية وينصح المختصون ببعض الإرشادات التي يُنصح باتباعها أثناء موجات الجو الحار، وتتضمن متابعة الأرصاد الجوية، والتأكد من درجات الحرارة قبل الخروج من المنزل. والحرص على ارتداء ملابس خفيفة ومريحة وفاتحة اللون عند الخروج. وتجنب التعرض المباشر للشمس، وخاصة أثناء ذروة الحر. والإكثار من شرب الماء لتجنب الجفاف، واستخدام كريمات الوقاية من الشمس عند الخروج، والتقليل قدر الإمكان من تناول الأطعمة الدسمة والسكرية والتي تساعد على زيادة درجة حرارة الجسم والاستعاضة عنها بتناوُل وجبات خفيفة وصحية وعند الاستحمام يفضل بالماء البارد أثناء موجات الحر، والحرص على إغلاق النوافذ والستائر في فترات ذروة الحرارة للحد من تأثير أشعة الشمس، مع الحفاظ على تهوية جيدة للمنزل. وهكذا تؤكد لنا الكثير من الدراسات والمصادر العلمية، أن الإنسان يتأثر بمجمل منظومته الحيوية جسمياً ونفسياً وذهنياً وسلوكياً، بما يحيط به من ظروف وظواهر مناخية ويتباين ذلك التأثير مكانياً وزمانياً، كما تتباين شدة التأثير باختلاف المناخ وتطرفاته فضلاً عن القدرات الجسمية والعقلية للإنسان، وفضلاً عن عمره وجنسه ونوع غذائه ودرجة تقبله أو تأقلمه مع محيطه الخارجي والمدة التي يتعرض لها لهذا المناخ أو ذاك. العالم يسجل أعلى درجات الحرارة