بعد موجة من الأتربة والغبار شهدتها مدن المنطقة الشرقية وقراها، عادت الرطوبة لتلقي بظلالها الثقيلة على الأجواء، بدءاً من مطلع الأسبوع الجاري، لتتغير إثر ذلك كثير من البرامج العائلية، إذ لزمت كثير من الأسر منازلها، بحثاً عن نسمة باردة توفرها أجهزة التكييف، وهو ما يحرم منه كثير من العاملين في الورش والمصانع والشركات. وتمضي ليلى الماجد أمسياتها، الرطبة جداً، في منزلها، إذ لا يمكنها تحمل الإحساس بالاختناق نتيجة ارتفاع نسبة الرطوبة في الهواء. وتقول:"أشعر أن مزاجي غير طبيعي نتيجة الرطوبة، والأمر يختلف عن ارتفاع الحرارة"، لذا تفضل الابتعاد عن الجميع"لأن احتكاكي بالناس، وبخاصة الصديقات قد يسبب لي مشكلات معهن". لكن بقاءها"حبيسة"المنزل لا يجنبها هذه المشكلات"قد أتشاجر مع أمي أو أشقائي، وأشعر بأن الأمر خارج عن إرادتي". كما أنها تعجز عن إنجاز أي عمل"حتى الشؤون المنزلية البسيطة أجد صعوبة في القيام بها". هذه التأثيرات المناخية التي تتحدث عنها ليلى تصيب عدداً من الأشخاص وتؤثر على أدائهم اليومي وتظهر عبر تغييرات في المزاج من الناحية النفسية، وتوعك من الناحية الصحية وتوتر في العلاقات الاجتماعية إلى جانب تأخر في إنجاز الأعمال على الصعيد المهني. ومع أن فصل الصيف هو فترة الإجازة والراحة لعدد كبير من الناس، إلا أن هناك من يعمل في هذا الفصل، ويتعرض للكثير من الظروف المناخية القاسية من ارتفاع الحرارة ونسبة الرطوبة. ومن هؤلاء من يعتبر الصيف"ضيفاً ثقيلاً بما يحمله من حر ورطوبة"، وبخاصة إذا كان مضطراً للعمل في الشارع، وبعيداً عن وسائل التكييف، مثل عمال النظافة والبناء وسائقي سيارات الأجرة وعمال ورش الميكانيكا واللحام وغيرها. ومع أن شركات تخفض ساعات العمل مع ارتفاع نسبة الرطوبة، إلا أن هذا الأمر لا ينطبق على الجميع. ففي موقع للبناء يشير أحد العمال إلى أن هناك"ساعة للراحة عند الساعة الواحدة بعد الظهر، نستغلها في النوم، قبل أن نعود إلى العمل، مع أن الحرارة تكون مرتفعة جداً". ويجمع الكثير من مراجعي الدوائر الرسمية والمؤسسات على أن الموظفين يبدون أقل نشاطاً في هذه الفترة من العام"ويبدي البعض عصبية تجاه المراجعين"كما يوضح عادل السيد مسؤول شؤون الموظفين في شركة خاصة في الخبر. وأثبتت الأبحاث العلمية وجود علاقة بين الحالة الصحية للمرء وارتفاع الرطوبة، ويشير الطبيب العام محمد سعد إلى أن"الجسم يمتص الحرارة سريعاً وبمعدلات تفوق تبديده لها،? ومع ارتفاع الحرارة ترتفع حرارة الجسم المركزية،? ما يصيب الإنسان بأمراض مثل التشنجات المعوية الحادة أو الشعور المتواصل بالإنهاك الشديد"?. كما ثبت علمياً أن الجو الحار الرطب يرتبط ارتباطاً مباشراً باضطراب الحالة العقلية، فالشخص العادي يصبح أكثر قابلية للتوتر وتسهل استثارته إذا كان موجوداً في طقس حار مُشبع بالرطوبة، وكثير من الناس يفقدون السيطرة على انفعالاتهم وينفد صبرهم في هذا الطقس. كما أن الجو الحار ونسبة الرطوبة الزائدة تدفع غالباً إلى الكسل وتحد من النشاط، وهذا ما نجده في البلاد الحارة. أما الحالة النفسية من حيث الاتزان الانفعالي والمزاج في اعتداله واضطرابه، وسلوك الإنسان وعلاقتها بالتغييرات الجوية، فتظهر عبر تغييرات بيولوجية في جسم الإنسان، ومعها تغييرات نفسية في عقله تبدو في صورة اضطراب في المزاج وتوتر. هذه الحالة المزاجية السيئة المصاحبة لموجات الحر الشديدة، كما يشير سعد تكون"نتيجة التعرق وما يصاحبه من خروج كميات كبيرة من الأملاح الموجودة في الجسم، ما يؤدي إلى هبوط ضغط الدم، والشعور بنقص في الطاقة، ونقص في القدرة على الإنجاز والشعور بالكسل، وعندما يحاول الجسم التعويض تزداد ضربات القلب، فيضطرب الأداء الجسماني، ويبدأ الشعور بالدوخة وهبوط ضغط الدم لدرجة يصعب معها أحياناً وصول الدم الكافي إلى الدماغ، فتختل بعض وظائفه، ما يؤدي إلى نقص الوعي والانتباه. وينعكس ذلك على العلاقات الاجتماعية من خلال الخلافات التي تزداد نسبتها بين الناس.