طرح "جون لوك" مصطلحاً يرادف علم العلامات، أو الإشارات، ليحتفي بتحليل السلوك الإنساني عبر علاقاتهم كنمط ذي نتاج ثقافي يصدر المعاني، وأطلق عليه "السميولوجي" كأحد علوم اللسانيات لمعرفة المعاني المتعلقة بالدال والمدلول من الألفاظ، لتعرف العلامة أو الإشارة بأنها الشيء المستخدم لهدف محدد، عبر معاني متنوعة، لتنطلق مفاهيم السيميولوجيا من مصادر معرفية، مثل: اللسانيات، والفلسفة، والمنطق والتحليل النفسي، انطلاقاً من فئات ثلاث هي: (الأيقونات، والإشارة، والرمز). فاتخذت مفهومية وسميولوجي الصور الرقمية والفوتوغرافية أهمية متصاعدة مع تقدم متطلبات الفنان في العصر الحديث لاتساع دائرة الاتصال من حيث المدى والكثافة، كوسيلة اتصالية في هيئة مؤثرة موجهة للهدف تراعي ميول المتلقي وقدراته الإدراكية، وتحقيق اتصال يتجاوب معه الجميع. لذا فقد استخدمت الصورة كوسيط للتعبير ذي تأثير يكثف المدرك الحسي لاستحضار التاريخ وتجسيد أبجدية حداثية للإفصاح عن الأفكار، وتعبئة الصور بشفرات سعياً للتمويه على المباشرة لتوجيه الذهنية لمحاولات التفسير والتأويل، والزج بالمألوف ليتعايش مع اللامألوف، لتكثيف القيمة التعبيرية والرسالة. وعبر تشخيص "رولان بارت" للفوتوغرافيا كظاهرة تعمل على تنميط الواقع، الذي تستمد خصوصيتها من تعامل غير آلي معه، جاءت وظيفة الصورة لتصنع التأثير، كانعكاس لأيديولوجي التواصل البصري وتوثيق المشهد الحضاري والتراثي والتاريخ، لنقل الحاضر تاريخاً وحفظ أشكال التعبير الثقافي التقليدي، لتدشين أرشيف بصري ثقافي يمثل من نحن دون وسطاء. وفي المشهد السعودي انبرى فنانون وثقت عدساتهم وسجلت التاريخ والتراث والطموح والإنجاز السعودي، عبر سلاسل من التراث العمراني، والألعاب والفنون الشعبية، والمناسبات الوطنية، لتمتلك الفوتوغرافيا قيمة الوثائق كمصدر تاريخي يشخص أحوال الماضي، وينقل للحاضر تاريخ ماضٍ، كذاكرة لتفاصيل الزمان، ومنهم الفنان "رجا الذبياني" الذي مثل نافذة فوتوغرافية على جدة التاريخية، فأصبحت الصورة لديه توثيقاً تاريخياً، يدلل على ماهية التفاعل مع المشهد والأزمنة السالفة، وموقف الفنان تجاه هذا العالم، عبر التقاط المشاعر الإنسانية، والتواصل العاطفي البصري. والفنان "عمر النهدي" الذي سجل بصدق عبر سلاسل تسجل عمق التاريخ السعودي في افتخار وزهو وهيبة، وسميولوجي داعم للخطاب الفوتوغرافي السعودي ما بين التواصل والتوثيق، لتكمن قيمة الصورة لديه في كمية المعلومات الوطنية، والتفسيرات المدلولية لمحتواها وتجميد الصورة لحظة في تيار الزمن، لتشكيل إبداع بصري سعودي، يستعرض مصدر الجمال المحسوس في المحيط الملهم كمانح للجمال. والخطابات البصرية الفوتوغرافية ل"جوهرة سالم الخليوي" والتي تدلل لقطاتها على إمكان الامتداد بملكات الإدراك الحسي لأبعد مدى لرؤية ما لا نستطيع رؤيته، حكاءة بصرية للهوية الذاتية للجنوب الخلاب ذي العبق التاريخي والطبيعي الملهم الشاحذ، لتمثل الصورة لديها شاهداً على المجتمع الذي يصدرها. *الأستاذ بكلية التصاميم والفنون المساعد - جامعة أم القرى عدسة: الجوهرة الخليوي