استضافت مدينة حلب معرضاً عالمياً لفن التصوير الفوتوغرافي وذلك برعاية صالة الجسر الحلبية ومعهد ثربانتس الاسباني، ومحافظة حلب. وضم المعرض أعمالاً لفنانين غربيين ولبنانيين وسوريين، وهو يعتبر تظاهرة فوتوغرافية متنوعة تشمل تيارات كثيرة. اشتركت في هذا المعرض 16 دولة ومنظمة ثقافية وانسانية، وبعض هذه الدول يشترك لأول مرة في معرض في سورية أو خارجها، وتضافرت جهود القطاع الخاص - صالة الجسر، والمتطوعين، القطاع العام، محافظة حلب، بلدية حلب، ومشروع إحياء حلب القديمة لإنجاح هذا اللقاء الفوتوغرافي. قدم الفنانون السوريون في هذا المعرض أعمالاً مميزة تضاهي التجارب العالمية، وعلى رغم أن مبنى الشيباني غير مجهز ليتناسب وشروط العرض الحديثة، مما يشكل خطراً على الأعمال المعروضة، فقد قدمت السفارات والمتاحف الأجنبية المشاركة دعماً معنوياً كبيراً بإحضارها أهم المجموعات الفنية والمتحفية الى مبنى الشيباني الأثري القديم. وشارك في هذا اللقاء الدولي من أرمينيا زافين سركسيان، ومن النمسا ه. ه. كابور، ومن كندا لاري تويل، ومن الدنمارك بيدرو مورتنسن، ومن فرنسا برنارد بلوسو، وكريستوفر بورجوا، وسعيد محمودي من ايران، ومن ايرلندا لويز شيري، ومن ايطاليا روزيتا ميسوري، ومن لبنان جيلبير الحاج، ومن هولندا ليندا أوليهوك، ومن سوريا حسين عصمت المدرس، عيسى توما، وماجد البين، وكارلوس بوجيان، ومن بولونيا ماريا لويز بيرلك، ومن إسبانيا سيوكو غوتييريز، ومن السويد بيل كرونستيد. ولقد نظمت معرض "القرن العشرون بالصور الضوئية" إدارة الأرشيف والسجلات الوطنية في واشنطن ويتضمن صوراً ضوئية تغطي القرن العشرين لمصورين حكوميين، ونظم معرض جماعي لمجموعة من المصورين الضوئيين السوريين الشبان وهم نديم آدو وبيديك ثمزيان، ومونيكا سبال ألمانية مقيمة في سورية، وتوخيك عربيان، وأنور أدول، وعاطف كموش، وشادي بطل، وياسين جدوع. ويعتبر هذا المعرض الضوئي ظاهرة فريدة من نوعها في سورية، إذ تجتمع في المعرض صور ضوئية لفنانين من مختلف أنحاء العالم، فيخيل إليك أنك في غابة من العلامات والرموز، فهناك من يعتقل الزمن ويجمده وهناك من يذكر، وثمة من يشير، وثمة من يخترق المظاهر ويصور الباطن من خلال الظاهر، وكل هذا تأكيد على أن الصورة الضوئية قادرة على خلق الجمال وعلى توليد ايحاءات مثيرة ومنبهة في وقت تتكدّس فيه الصور وتتدفق من الشاشات في شكل ينذر بأفول اللغة. ولكن الصور الضوئية تحاول أن تخلق فسحات رؤيوية في الواقع المعيش الذي هو صور، على عكس الصورة الموظفة لتخدم فكرة سينمائية أو تلفزيونية، وهنا على المشاهد أن يتأمل الصور الضوئية الناجحة فنياً كي يتأمل مشاهد عليه أن يملأ ثغراتها في أفلام سينمائية كمثل التي يخرجها الايراني عباس كيروستامي، وآلية الحجب أو الحذف هي التي تخلق إيحاءات جمالية أكثر قوة، ولهذا نعجب بالصور الضوئية التي تخفي أكثر مما تظهر فيكون علينا أن نكمل الصورة في خيالنا. وإذا وُجدت في المعرض صور تحاول أن تلعب دوراً تأريخياً كما في صور الفوتوغرافيين الأميركيين الحكوميين الذين يحاولون تأريخ القرن العشرين بالصور، وبالتالي يغيب الجمال لتحضر الفكرة، فهناك فنانون آخرون مثل الاسباني سيوكو غوتييريز الذي يعمل في حقل الصورة الملونة، والذي يرى أن مهمة المصور هي تسجيل الواقع فوتوغرافياً، أو تطويع ما هو شائع بين الناس وقائم في الطبيعة من دون إغفال حقيقة وجود الغموض في حياتنا. وهكذا يعيد الفنان صوغ الرموز البصرية ووضعها في اطار تصويري مرئي. وتعيد صور الفنان اللبناني جيلبير الحاج ابتكار الواقع من ظواهره المرئية والمحسوسة قاطعة كل صلة من الحياة اليومية، خالقة عالماً فنياً خاصاً من خلال أقنعة أو مومياءات، ولقى أثرية نخرها الزمن، أو أحلام شهوانية وهواجس حسية. ويقولب جيلبير حاج أجساماً خيالية فتولد من جديد، ويغنيها بأبعاد صوفية تفكك العالم العضوي وتحوله الى أشكال إيحائية بلا حدود. هكذا تلعب المخيلة دوراً تكوينياً في أعماله فتصبح عدسته عيناً باطنية تخترق قشرة الواقع البصرية وتتغلغل الى أبعاد أكثر عمقاً. أما الهولندية ليندا أوهوك فهي مصورة متنقلة وباحثة، ولقد سافرت الى أكثر من 500 دولة بالقطار أو بسيارتها الخاصة أو على الجمل بحثاً عن مواطن الأصالة والجمال. وتعكس صورها الهادئة عمقاً تراثياً وبحثاً عن السلام والهدوء والسكينة. ويعرض حسين عصمت المدرس صوراً وثائقية نادرة لمجموعة من رجالات الدين الاسلامي والمسيحي واليهودي تحت عنوان "سورية مهد الديانات السماوية"، وهي محاولة لتوثيق ذاكرة الأديان، حيث القوة والنظام والروحانية والتماسك. وبالنسبة للايرلندية لويز شيري فإن فن التصوير الضوئي هو محاولة لاكتشاف جوانب خلاقة في الذات، أما الفنان الايراني سعيد محمودي فيهتم بموضوع التصوير المعماري ولقد ألّف كتب عدة منها "الشاهنامات الايرانية" و"أجمل ما في ايران". وشاركت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بصور عن الجولان وأعراسه وعن تشتيت الاحتلال الاسرائيلي لأبنائه، وثمة صور تعبر عن اللحظات التي تجيش بالعاطفة حين يتم الزواج خلف الأسلاك الشائكة، وتلتم مجموعات صغيرة من سكان الجولان على طرفي خط الفصل لبضع دقائق، وهكذا تغادر العروس عارفة أن سياج الاحتلال سيمنعها من العودة لرؤية أهلها في دمشق. ويحاول الفرنسي برنارد بلوسو المولود في فيتنام 1945 أن يصور العوالم الصحراوية وينقلها بشاعرية تستنهض روح البلد المستكشف. أما الفرنسية فرانسواز نوييز فهي من أصل أندلسي وتمتلك أسلوباً تعبيرياً في التصوير. وفي ما يتعلق بالدنماركي بيدر مورتنسن فإنه يركز في صوره على المواقع الأثرية ذات الطابع الهندسي لكي تعكس طبيعة التواشج بين العراقة الهندسية والحياة العصرية في بعض شوارع القاهرة القديمة. ويركز النمساوي كابور على تصوير أحداث الحياة اليومية وعلى الجسم البشري منتبهاً الى أدق التفاصيل التي تشكل، بالنسبة اليه، ماهية الانسان. ويتخصص الأرمني زافين سركسيان في التصوير الهندسي وتصوير المناظر الطبيعية. وعرضت "المؤسسة العربية للصور" بإعداد الفنان اللبناني أكرم زعتري صوراً للمركبة بأشكالها كافة، كعنصر أساسي من عناصر المشهد الحداثي، وتركز الصور على انبهار المجتمع بالحداثة. وتقوم "المؤسسة العربية للصور"، منذ نشأتها في 1997، ببذل جهود ممتازة في جمع أعمال المصورين العرب منذ القرن التاسع عشر حتى الستينات من القرن الجاري لتحميها من التلف وتجعلها في متناول الباحثين. وشارك في المعرض سوريون مثل عيسى توما صاحب صالة الجسر، والذي أسس مدرسة للتصوير الفوتوغرافي في حلب في 1991، وهو أيضاً صاحب فكرة هذا اللقاء الفوتوغرافي الدولي من أهم أعماله دراسة فوتوغرافية عن حياة الصوفيين في شمال سورية، وريبورتاج عن صناعة الصابون في حلب. أما ماجد البين فيصور في مجال العمارة وقدم أول معرض فردي له في هذا اللقاء بعنوان استفتاء. ويحاول كارلوس بورجان المولود في فنزويلا أن يكشف عن علاقة الترابط بين الطبيعة والانسان. ويرى المصورون الأميركيون المشاركون في معرض "القرن العشرون في صور" أن الصور هي آلات زمنية تسمح لنا أن ننظر الى الوراء ونجمد لحظة في الزمن، ونتخيلنا جزءاً من الماضي. ومن خلال الصور التاريخية نستطيع أن نرى كيف ظهر الناس المشهورون والعاديون في وضعيات للتصوير وفي لحظات غفلة، ومن خلال هذه الصور نستطيع أن نعيش من جديد أحداثاً جساماً وحياة عادية، ونعرف كيف كان الناس يلبسون ويتصرفون. وجاءت صور المعرض "القرن العشرون في صور" مرتَّبة زمنياً في ستة أقسام تصور الأحداث الكبيرة في القرن والتيارات الاجتماعية الضخمة. وثمة صور عن مهاجرين يصلون الى جزيرة إيليس، وطيران الأخوة رايت الأول، وبناء الإمباير ستيت، وشاطئ أوماها، وآثار أقدام على القمر، والحرب في الخليج. ويمكن تصنيف بعض الصور بأنها صحافية، تخدم مناسبات معينة، ولكنها في هذا السياق تلقي ضوءاً على بعض جوانب الحياة الأميركية، وهي صور لا تبحث عن فنية أو إيحاء جمالي وإنما تؤكد بعداً وظيفياً واضحاً. وهذا المعرض الضخم، والمتنوع، يعتبر لفتة ثقافية مهمة واستثنائية، ويمثل ملتقى لفنانين من جميع انحاء العالم، حيث تتكشف الفروقات عبر البراعة التصويرية، ويلقي الضوء على لحظات نادرة في تاريخ الشعوب وحاضرها، فتحضر الأمكنة الضائعة، والمشاهد التي محاها الزمن، وتتكشف اللحظات النادرة.