هناك من يعشق الاتجاه نحو الصفر، فلا يكاد يصل إلى رقم مهم في حياته أو في أحلامه أو شخصه، وإن وصل إلى أمر عاد بالاتجاه إلى الصفر. الصفر يعني التراجع، الانحدار، فقدان القدرة في الحفاظ على ما نملك من الأشياء أو ما نحققها. الاتجاه إلى الصفر يعني لا شيء، لا هدف، لا فكر، لا إحساس. أطياف سلبية تلم بالشخص تستفزه بالاتجاه نحو الصفر فقط، فلا يعرف نفسه ولا يعرفه غيره ولا يحقق لنفسه شيئاً ولا لمجتمعه، بل هو رقم بحجم الصفر، ما أكثر من يتجه إلى الصفر في حديثه فلا يكاد يقول شيئاً مفيداً أو يجمع كلمتين على بعضهما! في علاقته فهو يتوجه إلى رفقة السوء، والعطالة والبطالة، ودعاة الشر، ويتعلم منهم الكثير فيصبغ فكره بألوان مناهجهم فلا شخصية له ولا سمة خاصة له ولفكره بل هو تبعي سهل الانقياد وسريع الاتجاه نحو الصفر، فلا يجمع ما يفيده ولا يعرف ماذا ينفعه ويجهل كيف يواصل حياته، يرضا أن يكون مشاركاً ولا يقبل أن يكون شريكاً، ويوافق غيره وهو لا يعلم ماذا يقول، ويؤكد على آراء وهو يجهل حقيقتها. إن الاتجاه إلى الصفر هو تعطل في التفكير والاتباع الآني نحو أي مستجد ومتغير من غير تحريك الذات نحو اختيارات مميزة، أو بدائل نافعة. الاتجاه إلى الصفر يعني التوقف في نصف الطريق وعدم التقدم أو فقدان القدرة على الرجوع، هكذا هو حال الكثير في مجتمعنا، بعضهم ليس له هدف حقيقي يعرف كيف يصل إليه، ولماذا يريده، بل قد يكون تقليداً أو تبعية أو تأثراً وقتياً في حالة تعطل فكري، وإن عرف هدفاً ورسمه فهو يتجه إليه عن طريق الرقم صفر، والبعض قد يحقق أهدافاً جيدة في حياته قد يكون رسمها أو لم يحلم بها، المهم أنها تحققت له بهدوء أو صخب أو جلادة أو واسطة، هي تحققت ولكنه لا يعرف كيف يصنع منها أهدافاً أخرى تنفع ما حوله، ويجهل حينها كيف يحافظ على ما يستحقه ويترك لغيره ما يستحق، والبعض قد يصل إلى قمة ما ثم ينحدر نحو القاع بسهولة، فلا يقدر أن يحتفظ بما اكتسبه، ولا يعلم كيف يمنح الغير. ثقافة الببغاء هي حالة عند الكثير، فهناك من يسمع المذياع، ويشاهد القنوات، ويقرأ الصحف، ويتفاعل في وسائل التواصل لكنه لا يحلّل، ولا يعرف كيف يقيّم ولا يقوّم، فتراه يردد ما قاله ضيف في برنامج، أو مذيع في حلقة تلفزيونية بسهولة ويتجه معه نحو الصفر، والبعض يقرأ مقالاً في صحيفة فلا يجلس في مجلس إلا ويكرر ما قاله الكاتب دون اختيار للحقيقي والصحيح، ودون تنقية للشوائب، أو إضافة فكره الخاص، ورأيه الشخصي. حتى بعض الحوارات الشخصية أو النقاشات أو حتى السوالف تجدها تنحدر نحو الصفر بدون تحقيق نتيجة مريحة وفائدة مرجوة، قد يغلب الصخب على الصوت، وتطغى الضجة على الكلام بلا ربح واضح. ختام القول: إن الواقع الاجتماعي لكثير من فئات المجتمع في كل شرائحه هو أن هناك تحولات شخصية وفكرية بل طفرة من المستجدات والمتغيرات التي تقود بعض الفئات نحو الاتجاه إلى الصفر، فلا مستقبل واضح، ولا أهداف مرسومة، ولا تصورات معلومة، ولا طموحات معقولة، ولا أحلام مبتكرة. يعيشون حاضرهم فقط وشخصياتهم الآنية، ويلبسون جلابيب التبعية والموضة، والصرعات في القول والفعل بلا إدراك واعٍ لواقعهم، واحتياجاتهم، وقيمهم وثقلهم بين أسرهم ومجتمعهم، وبدون فهم لحقيقة ما يجري حولهم، حكمتهم الأولى (طنش تعش تنتعش)، فكان الطناش والعيش والانتعاش كما زعموا وظنوا، ولكنهم في الحقيقة اتجهوا نحو الصفر.