التأثير والتأثر عمليتان متلازمتان على مستويات عامة وخاصة، عالمية ومحلية، فردية وجماعية، ونحن اليوم في زمن يقوى به ويشتد التأثير على الآخر، والتأثر به، فقد كانت هذه العملية محدودة وصعبة تتطلب التقارب والاحتكاك المباشر بين الثقافات والأفراد، أما اليوم فالأمر أكثر سهولة وبساطة، فكل منا يحمل العالم بين يديه وفي جيبه طوال اليوم، فالتكنولوجيا قربت البعيد وسهلت الصعب، فلم يعد الأمر مقتصراً على رحلة يقطع فيها الناس آلاف الكيلومترات، ولم يعد الأمر يتوقف عند حدود معلم فذ يؤخذ منه العلم أو الفن، إذ للأسف صار أكثر الناس تفاهة يؤثر على غيره بطريقة مرعبة خاصة على المراهقين والأطفال، وأحياناً بعض من ينطبق عليهم وصف بالغ عاقل! فماذا يعني العقل إذا لم يكن واعياً أمام ما يرى ويسمع، وبالتالي يسمح لكل ما يمرر له أن يعبر مساره الخاص والدقيق بين الوعي واللاوعي فينجح المؤثر مهما كان مستواه بالسيطرة عليه بقوة الإيحاء فتضطرب نفسه وتختل موازينه الذاتية. إن الإيحاء النفسي الذاتي أو الخارجي له أثره القوي على النفس إيجابياً أو سلبياً، مقصوداً أو لم يقصد، وهذا ما لا يتنبه له كثير من الناس، فتجري عملية الإيحاء في عقولهم كما تجري أي عملية أخرى وهذا حال كثير من الجهلة، وأعني أولئك الذين يجهلون أنفسهم فيصبحون ممراً سهلاً وأداة استقبال قوية لكل ما يمرر لهم. ومن هنا صرنا نرى ونسمع شخصيات كثيرة مضطربة جداً صارت اليوم ويا للعجب تعد من المؤثرين! رغم ما هي فيه من توهان عن الذات وضياع، فهي شخصيات لا تعرف ماذا تريد، ولا ماذا ترفض، وشخصيات ترى بأنها كاملة لا يخالطها ضعف ولا يجانبها الصواب! لا أدري إن كنت أبالغ في نظرتي هذه التي أرى فيها العالم اليوم مخيفاً جداً على كل شخصية ضعيفة لا تحسن التعرف على ذاتها من الكبار، أو شخصية غضة في عمر مبكر، وكم آسى على حالهم أمام طوفان التفاهة الذي يجتاح العالم بمنكب ضخم، ويغتال في طريقه كثيراً من الجمال، جمال القيم، وجمال الوعي، وجمال النوايا، وجمال العطاء، وجمال الأخذ.