المؤسف أن رواد التفاهة صاروا يسمون بالمؤثرين! فما هو ميزان التأثير الشخصي لمن هم في الحقيقة ممن تاهت بوصلتهم الإعلامية واختلط لديهم الحق بالباطل وظهرت زواياهم المظلمة وهم لا يختلفون في هذا عن مشاهير الإعلان الذين يروجون لبضائعهم من خلال الكشف عما في عقولهم وبيوتهم بحثاً عن مزيد من الجذب لأنهم صفر ثقافة وفكرا ووعيا.. في عام 2019 كتبت مقالاً بعنوان (الدرباوي ينتصر)، وكانت فكرته عن العلامات الفارقة قولاً وعملاً عند الدرباوي ولماذا تحول ذلك المراهق إلى درباوي؟ وكيف وصلت ألفاظه وبعض أفعاله إلى فئة لا يستهان بها من الشباب ذكورهم وإناثهم وأصبح بعضهم من المشاهير لهذا السبب فيفسح لهم في المجالس والقنوات لبث مزيد من الدروس غير النافعة! ولم أكن أتوقع أن يمتد الأثر إلى وجوه إعلامية تظهر على الشاشة الصغيرة وتظهر أمام الملايين على القنوات العامة والخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي كوجوه إعلامية مشهورة لتنشر بذاءات لفظية وفكرية على سبيل التوهم بأن هذا هو من قبيل قوة الشخصية التي أُسيء فهمها في السنوات الأخيرة، وانتقل هذا المفهوم الخاطئ إلى الصغار الذين يعتقدون أن القوة الشخصية هي أن تكون جريئاً بوقاحه، وكلما كنت سليط اللسان فأنت قوي! وكلما كنت قادراً على إهانة الآخرين فأنت قوي! ولهذا نجدهم يهللون ويصفقون لتلك الوجوه الإعلامية بإعجاب شديد! ولم لا؟ فهم في نظرهم أقوياء ولا يمكن أن يصدقوا بأنهم مرضى يفتقدون لأقل معايير الثقة بالنفس. وأن سلاطة اللسان هذه تخفي خلفها كثيرا من الضعف وكثيرا من الخوف وكثيرا من اللا سلام الداخلي. ومع كثرة الملهيات الرقمية ومن يبرزون فيها وكثرة المغريات التي تجعلهم في مسار بعيد عن القراءة أو متابعة شخصيات مختلفة عن السائد التافه؛ شخصيات تمهد لهم دروب التعرف على ذواتهم والعودة للمعنى الحقيقي للقوة الشخصية والتأثير الإيجابي. والمؤسف أن رواد التفاهة صاروا يسمون بالمؤثرين! فما هو ميزان التأثير الشخصي لمن هم في الحقيقة ممن تاهت بوصلتهم الإعلامية واختلط لديهم الحق بالباطل وظهرت زواياهم المظلمة وهم لا يختلفون في هذا عن مشاهير الإعلان الذين يروجون لبضائعهم من خلال الكشف عما في عقولهم وبيوتهم بحثاً عن مزيد من الجذب لأنهم صفر ثقافة وفكرا ووعيا. إعلامية خليجية مشهورة وغيرها من دول عربية أخرى لا تمل ولا تكل ألسنتهن من الإشارة للحاسدين والحاقدين وأعداء النجاح كما يدعون بطريقة يندى لها الجبين بما يستخدم من عبارات سوقية من قاموس البذاءة وهدم الأخلاقيات. إن نموذج قوة الشخصية - الذي يُروَّج له - من هؤلاء بعيد كل البعد عن الصواب، فللقوة الشخصية مواصفات كثيرة منها أن يكون صاحبها متفرداً ومستقلاً بأفكاره بعيداً عن التقليد والانسياق خلف الآخرين فلا تتبنى أفكارهم ولا سلوكياتهم، وما يحدث اليوم هو العكس تماماً فكأن الحياة لا تكتمل إلا بتقليد هذا وذاك في كل شيء فعلياً في كل شيء. وقد ظهرت آثار هذا الأمر بوضوح لكل واعٍ من الناس وستظهر بقوة أكثر في السنوات القليلة القادمة على كل طفل ومراهق يركب الموجة بلا وعي وبلا مرشد وصرنا نرى الأطفال المشاهير الذين يعتقدون أن النجاح وقوة الشخصية هي أن تكون قادرا على الظهور من خلال جهازك لتتحدث وتتصرف أمام الناس بكل طلاقة دون أن تعي ماذا تقول أو ماذا تفعل، والمحزن أن من يفترض بهم أن يرشدوهم هم الذين يشجعونهم على دخول هذه المتاهة. إن أقل مساوئ تلقي ما يتفوه به أولئك من الآخرين هو عدم الاستنكار، وهي تبدأ به عادة فلا تستنكر الألفاظ ولا الأفعال التي تصدر من فلان ثم يسوق لها في البرامج والمسلسلات والأفلام ثم تصبح مقبولة جداً وغير مستنكرة واعتيادية وهنا المصيبة! وكل عظائم الأمور تبدأ من مستصغر الشرر. مع ذلك النوع من الإعلاميين والمشاهير من الفنانين صار العالم وكأنه مقسوم إلى قسمين يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان؛ خط يمثل أرباب التفاهة واللهو المستمر، وخط لمن يمتازون بالوعي والنضج والانسجام مع ذواتهم.. ولكن المخيف أن الغلبة في الظهور للنوع الأول!