فارقنا إلى جوار ربه فجر يوم الجمعة الخامس من شهر ذي الحجة 1444ه الموافق 23 من شهر يونيو عام 2023م المغفور له بإذن الله معالي الدكتور ناصر بن محمد السلوم، وزير المواصلات الأسبق، بعد معاناة طويلة من الأمراض ومعها، إذ لازم السرير الأبيض في مستشفى الملك فيصل التخصصي في جدة مدة تقارب ثماني سنوات، كابد خلالها مشاق الغسيل الكلوي عدة مرات أسبوعيا، وشاء الله أن يتعرض كذلك خلال تلك الفترة إلى كسر في الحوض إثر سقطة مؤلمة، ومع ذلك كله لم أره حين كنت أعوده إلا باسما صابرا حامدا، ولم أسمع منه في مهاتفاتنا الدائمة سوى عبارات الرضا وسؤال الأحبة الدعاء له، نسأل الله أن يتقبل منا جميعا مادعوناه له، وأن يجعل ما أصابه رفعا لمنازله ومغفرة لذنوبه، وأن يبوّئه مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأن يحسن عزاء أسرته وذويه ومحببه، ويعظم أجرهم فيه، ويعوضهم عن فقده بالصبر والاحتساب، إنه سميع مجيب. لقد عرفت أبا محمد -رحمه الله- مذ كان وكيلا لوزارة المواصلات للطرق، وكنت حينها وكيلا لوزارة المالية، وحيث جمعتنا علاقة العمل والاجتماعات التي كانت تتم في نطاق بعض اللجان المشتركة، وعرفته أكثر بعد أن عيّن وزيرا للمواصلات من خلال رئاسته لبعض مجالس الإدارة، منها مجلس إدارة الشركة السعودية للنقل الجماعي، وكذلك من خلال رئاسته لمجلس إدارة المؤسسة العامة للخطوط الحديدية حين كنت عضوا ممثلا لوزارة المالية في كل منهما. لقد لمست في الراحل الدكتور ناصر خصالا نبيلة كثيرة قلما تجتمع في شخص واحد، فقد كان بالغ الإخلاص في عمله، متفانيا في أدائه، لا يكتفي بالعمل في الأوقات الرسمية بل قد تجده منهمكا فيه خارج أوقاته أو خلال عطلة نهاية الأسبوع وغيرها، كان جريئا في قول الحق والانحياز له والدفاع عنه، وكان يتسم بإظهار التقدير لمن يعملون معه من المخلصين، حريصا على دعمهم وتشجيعهم بكل ما أوتي من سبيل. أما إنجازاته في عمله فهي شاهدة له وقد عمّ نفعها ولله الحمد وأحس به المواطنون والمقيمون في أرجاء المملكة، أذكر منها في العاصمة الرياض الطرق الدائرية، ولا زلت أذكر حين افتتاح أولها وهو الطريق الدائري الشمالي في عام 1405ه كان بعضهم يتساءل مشككا عن مدى الحاجة إليه أو الجدوى من إنشائه إذ كانت السيارات التي تسلكه قليلة نسبيا في ذاك الوقت، بيد أن الجميع أدرك لاحقا صواب الرأي، وبعد النظر، والحكمة الكامنة وراء التخطيط له وإنشائه في ذلك الوقت المبكر، ولنتخيل وضع مدينة كالرياض مع تمدد رقعتها وازدحام ملايين السيارات في طرقها لو لم نكن نملك تلك الطرق الدائرية والتي تفرعت عنها طرق ومشاريع أخرى لاحقا كان لها أثر كبير في تطور الرياض وسهولة ربط أجزائها، ومن أبرز الأعمال التي تشهد للمرحوم بإذن الله كذلك الجسر المعلق أو جسر وادي لبن في الجزء الجنوبي الغربي لمدينة الرياض، وهو جسر معلق بالكامل بدون أعمدة أو دعامات في الوادي، يمتد بين ضفتي الوادي بطول (800) مترا وعلى ارتفاع يبلغ (175) مترا من قاع الوادي، وقد سعدت بأن أكون من الحاضرين لافتتاحه في عام 1417ه، وقد كان إنشاؤه ثم افتتاحه وتشغيله حلا لمشكلة الانتقال والتواصل لسكان جنوب غرب الرياض مع الأحياء الأخرى للمدينة، ومن اعماله الخالدة رحمه الله تلك الجهود الجبارة التي تمثلت في طرق العقبات الكأداء في جنوب المملكة على امتداد سلسلة جبال السروات والتي كانت تشكل عائقا طبيعيا يحول دون التواصل بين قاطني المدن والقرى في قمم الجبال وبين سكان السفوح والسهول والوديان أسفلها، ومن أهم هذه العقبات وأعظمها نفعا للمواطنين هي عقبة شعار التي تربط أبها بمحايل عسير، وعقبة ضلع التي تربط بين أبها ومحافظة الدرب، وعقبة الصماء التي ربطت بين أبها ورجال ألمع، وعقبة الهدا التي ربطت الطائف وضواحيها بمكة المكرمة، وغيرذلك كثير. إننا بلا شك فقدنا بوفاة معالي الدكتور ناصر السلوم رجلا مخلصا، بارا بوطنه، نذر نفسه لخدمة بلاده بربط أطرافها من أقصاها إلى أدناها، والوصل بين قمم جبالها وسهولها، نسأل الله أن يجزيه لقاء عمله المخلص بأحسن مايجزي به عباده المحسنين إنه كريم سميع مجيب الدعاء. *رئيس "نزاهة" الأسبق