وعد صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- في منتصف عام 1442ه بمنظومة تشريعية متخصصة، تتمثل في عدة مشاريع لإصدار نظام الإثبات، ونظام الأحوال الشخصية، ونظام المعاملات المدنية، ونظام العقوبات، والتي تساهم في تطوير البيئة التشريعية، وتؤكد على حفظ الحقوق، وترفع كفاءة الأنظمة، وترسخ مبادئ العدالة والشفافية على ضوء أحكام الشريعة الإسلامية. وقد تحقق الوعد وأصبح واقعاً، فصدر نظام الإثبات، ونظام الأحوال الشخصية، في منتصف عام 1443ه، كما صدر مؤخراً المرسوم الملكي القاضي باعتماد نظام المعاملات المدنية الذي يعد أبرز نظام من أنظمة القانون الخاص الهادفة إلى تنظيم العلاقات الناشئة بين كافة الأشخاص باستثناء شخصية الدولة التي تتسم بالسلطة والسيادة، ولا يسع أي شخص من أشخاص هذه العلاقات -سواءً كان مدنياً أو تاجراً- جهل أحكام هذا النظام، لأن معاملاتهم تبنى على هذه الأحكام. ومن المؤسف أن يتداول غير المختصين أن تطبيق النظام يحد من الاجتهاد القضائي، والصحيح أنه يحد من التباين في الاجتهاد؛ فاستناد القاضي على النظام، وتطبيق نصوصه على وقائع النزاع تمهيداً للحكم يعد اجتهاداً، وبهذا فإن الاجتهاد والقضاء وجهان لعملة واحدة لا يمكن الفصل بينهما، على العكس فقد ساهم سمو ولي العهد بإطلاق هذا النظام في تجويد وتحسين الاجتهاد القضائي. وقد أتيحت مساحة كبيرة لاستيعاب النظام وفهمه، حيث سيتم تطبيقه ابتداءً من تاريخ 1445/06/04 الموافق 2023/12/17 على كافة المعاملات المدنية، والمعاملات التجارية التي لم يرد بشأنها نص خاص في الأنظمة التجارية، بما في ذلك المعاملات التي حصلت قبل صدور النظام باستثناء حالات محددة نص عليها المرسوم الملكي، لذلك يتطلب منا كمحامين ومستشارين قانونيين الإلمام بمضمون النظام؛ كون أغلب المنازعات الحاصلة في الوسط الاجتماعي هي من قبيل المعاملات المشار إليها أعلاه، لذلك لابد أن نكون مستعدين لمسائل المنازعات المنوطة بهذه المعاملات التي تعرض علينا لتنبؤ الأحكام القضائية التي ترد عليها وفقاً لمقتضى النظام، وذلك لا يحصل إلا بعد مراجعة النظام بشكل مكثف وقراءة فاحصة ومدارسته مع المختصين. أما غير المختصين فلا يقبل منهم الجهل بالنظام، لا سيما أنه ورد بصريح العبارة في نص المادة (720) من النظام « القاعدة (41): الجهل بالحكم ليس عذراً»، فالأصل في كافة الأشخاص الذين يخاطبهم النظام ويطبق عليهم استيعابهم لأحكام النظام، لذلك يتطلب منهم قراءته باستيعاب حتى تستقيم معاملاتهم وتتوافق مع صحيح النظام، ومن يعجز عن ذلك ويشعر بعدم معرفة أحكام النظام التي تطبق على معاملاته فأنصحه باستشارة أهل الاختصاص من المحامين والمستشارين القانونيين؛ فهم مستعدون لتقديم الخدمة القانونية، وقاية له، وضماناً لتطبيق النظام، والوقاية خير من العلاج. ويسهل على غير المختص أن يتعرف على ما جاء في النظام من تعريفات وتحديدات تسهل عليه معرفة حقوقه والتزاماته، فمثلاً عرف نظام المعاملات المدنية ماهية الأشخاص، وحدد صلاحيتهم في اكتساب الحقوق، وتحمل الالتزامات، وكيفية تعبير هؤلاء الأشخاص عن إرادتهم، والعوارض التي تؤثر على هذه الإرادة، كما عرف النظام الأشياء التي تصنف أموالاً ويتم تطبيق حقوق الأشخاص عليها، وحدد مصادر الالتزامات والحقوق والآثار الناتجة عنها، فلا ينشأ التزام أو حق في تعامل مدني غيرها وكذلك في التعامل التجاري الذي لم يرد بشأنه نص خاص في الأنظمة التجارية، وانتهى موضوع النظام إلى اعتماد قواعد كلية تساهم في ضبط الأحكام وتخريجها بطريقة سليمة. الأكيد أن هذا النظام نقلة نوعية تتماشى مع المتغيرات التي نعيشها في المملكة على كافة الصعد، وتتوازى مع الإصلاحات الشاملة التي تبناها سمو ولي العهد -أيده الله- ضمن رؤية المملكة 2030م. *محامٍ ومستشار قانوني | عضو أساسي في الهيئة السعودية للمحامين