رواية مغامرات قارض كتب، للكاتب الأمريكي سام سافاج، رحلة ماتعة بين أرفف الكتب، تسرد لنا بلغة بليغة وفكرة جميلة، أحداث ومواقف ومغامرات مر بها جرذ على لسان جرذ يدعى «فرمين»، يحكي خلالها بنوع من السخرية تجربته مع عالم البشر، «أفكارهم وطباعهم وهواجسهم»، كما يأخذنا في جولة بين أرفف الكتب ليقدم لنا من خلالها شذرات لمقاطع عن أهم الروائيين والممثلين والشعراء وغيرهم، رواية تجعلك تلهث وراء سطور الكتاب وتقتفي أثر كل المعاني. الجرذ «فرمين» الابن الثالث عشر لوالدته التي تدعى «فلُو»، أسرة من ثلاثة عشر جرذ واثنا عشر ثدي فيخرج هو من المعادلة لكره الشجار والقتال، ويبدأ في البحث عن طعام آخر غير الحليب، فكان عليه أن يعيل نفسه عن طريق قضم الكتب والتهام كل ما تقع عليه عيناه، مهما كان حجم الكتاب أو نوعه، ويبدأ ما تغذى عليه يعطي مفعوله ويفهم ما يرى لتصبح الكلمات لها معنى ويصبح الخيال أوسع والدماغ أعمق ويتضح له عالم الأفكار والكتب، وفي النهاية بدلًا من أن يأكل أوراق الكتب بدأ يتعلم ويثقف نفسه، ويدخل في متاهات الأدب والقراءة ويبتعد أكثر عن العائلة وعالم الجرذان ويتعرف أكثر على عالم البشر وهنا تختلط عليك العوالم ولا تدري أهو بشر بعقل جرذ أم هو جرذ بعقل بشر، «في البداية كانت شهيتي متوحشة، غير مدربة، مشوشة وشبيهة بشهية خنزير، حتى أنني لم أكن أميز لقمة من فولكنر عن لقمة من فلوبير، لكنني شرعت سريعًا في تبين فوارق دقيقة. ولاحظت أولًا أن لكل كتاب نكهته الخاصة». عندما كبر «فيرمن» قرر مغادرة القبو والبحث عن مكان آخر، ولأنه أغرم بالكتب، وجد بيته الثاني في مكتبة. «إنّه مسكني أنا! إذ كانت الكنب منتشرة في كل مكان من حولها، تكسو كل الجدران من الأرضية حتى السقف، وكذلك جهتي حاجز مرتفع ينتصب وسط الغرفة برفوف خشبية عارية مزدحمة بالكتب حتى تكاد تنفجر بها... لقد كان هذا المكان الدافئ الذي لجأت إليه مقام كتب، متحفًا لكنوز منسية ومقبرة ما لم يُقرأ وما هو غير قابل للقراءة»، قرأ كتب لم يقرأها من قبل والتقى بالكتاب بعضهم كان معروفًا، ولكن صاحب المكتبة الذي خيّب آماله، فيهرب ليلتقي بكاتب مغمور غريب الأطوار فيكمل معه مغامراته. الرواية شيقة عميقة، تتوقع أن يكون النص فيها بسيط وسطحي ولكن الحقيقة بها شيء من المعاناة وعمق المشاعر، تعتمد على السرد من طرف واحد «فرمين»، فهو يفتقر إلى لغة للتواصل، وأيضاً الخوف الذي يسكن البشر تجاه الجرذان، وهذا مما قلل الحوارات في الراوية، وهذه الوحدة التي يعاني من «فرمين» ربطها الكاتب بالوحدة التي يعاني منها الإنسان، وهنا تكمن العبقرية في هذه الرواية، حيث وضع سافاج مشاعر البشر وتقلباتها داخل عقل ذلك الجرذ، صاحب الحياة القصيرة والمؤلمة، والطويلة بأحداثها ومغامرتها. «أنا الذي تناهز فصاحتي الثرثرة، كنتُ محكوماً بالسكوت. فالحقيقة أنني لا أملك صوتاً. وكل هذه الجمل الرائعة التي تحوم في رأسي مثل فراشات كانت في الواقع تطير داخل قفص لا يمكنها مغادرته. كل الكلمات المحببة التي ألوكها في فمي، داخل فكري الصامت المختنق، كانت بلا نفع، مثلها مثل آلاف الكلمات بل الملايين ربما التي مزقتها من الكتب وابتلعتها، تلك الشذرات غير المتماسكة المجتزأة من روايات ومسرحيات وقصائد ملحمية ومذكرات واعترافات فاضحة. لقد سالت جميعها مع مياه الأنابيب، خرساء ومهدورة دون فائدة».