كيف يمكن النظر لظاهرة الومضة الشعرية.. هل هي حالة تمثل قصر نفس الشاعر أم أنها انعكاس لضيق نفس المتلقي، أم أنها شكل تجديدي يمثل استجابة طبيعية لروح العصر حول الومضة الشعرية؟، شارك عدد من الأدباء والأكاديميين عن تلك الظاهرة. "شكلٌ شعريّ يتسم بالعفوية" في البداية أكد الناقد والقاص د. عبدالله الخضير أننا نعيشُ حركة تسارع شعري في الشكل والمضمون، فلم نُقْصِ قصيدة التفعيلة، بل كتبناها وبرعنا فيها؛ لإيماننا بأنّ الشعر العربي قادرٌ على مواكبة العصر والإبداع في جماليات اللغة. وأضاف: "مع هذه التحوّلات الفنّية والفكرية نجد أنفسنا أمام شكل شعريّ جديد وهو (الومضة)، والذي يعتمد على اللحظة الخاطفة التي تمرُّ في مخيّلة الشاعر؛ لتصبح نصّاً شعريّاً بألفاظ قليلة، وأنا أرى بأنّها وسيلة من وسائل التجديد الشعري، أو شكل من أشكال الحداثة التي تحاول أن تجاري العصر الحديث، فالومضة تحيلنا إلى الإشراق والتوّهج والدهشة والشفافية والغموض والتكثيف والاختزال، ولعلّها تتوافق مع المقولة المشهورة "البلاغة الإيجاز" والومضة ليست بجديدة، بل لها تاريخ منذ السبعينات من القرن العشرين، فنحن لسنا ببعيدين عن أحمد مطر ومظفر النواب وغيرهم من الشعراء الذين حوّلوا النص الشعري إلى إيحاءات عميقة، ورمزية واقتصدوا في إيقاع الومضة وصورها ولغتها وفكرتها، وكأنّها أشبه ما تكون ببرق خاطف يتسم بالعفوية والبساطة. والمُنظّرون لهذا الشكل الجديد وضعوا لها مسميّات كالتوقيعة أو قصيدة قصيرة جداً". وتابع: "في الوقتِ نفسِه أتذكر مقولات كانت تحكم على جودة شعر الشاعر من خلال بيت، فقالوا أمدح بيت وأهجى بيت وأغزل بيت.. وهكذا، ونسمع عن رباعيات الخيّام، وأعتقد أنّ شعرَنا العربي فيه من المرونة ما يجعله قادراً على التغيير ومواكبة أحداث العصر، وهذا ما قرأناه ودرسناه في الموشّحات مثلاً، وأنا أتفق مع مَنْ ذهب أنّ اختزال قصيدة الومضة يكسبها ميزة الصورة الشعرية (الرمز، الانزياح، الرؤيا)، وأنا أميل إلى كتابة هذا النوع من الشعر إذا توافق مع عناصر وجماليات الشعر الفصيح، وكونُ قصيدة الومضة معتمدة على الإيحاء فهي قابلة للتأويل؛ لأنّها في حقيقتها غير مباشرة، وهذا ما نستنتجه من الملمح الدلالي العام لمفردة الومضة / النّور واللمعان والكشف والخفاء والسرعة والإيجاز. وأخيراً، وفي رأيي أرى أنّ مشكلة هذا الشكل الجديد في وضع مصطلح خاصّ له، كما إنّي أدعو النقّاد إلى الوقوف على بدايات ظهور الومضة في العصر الحديث، وهل هي امتداد للشعر العربي القديم، أم هي امتداد لشعر الهايكو الياباني وهل تأثرت بالشعر الغربي وخصوصاً الإنجليزي؟". "مرونة لغوية" من جانبها، أشارت الشاعرة هيفاء الجبري إلى أن الومضة تعتبر شكلاً حديثاً من أشكال الكتابة الشعرية، وخروج هذا الشكل كان نتيجة للتغيرات الهائلة التي طرأت على حياة الإنسان، فالتفاصيل كثيرة جدا في الحياة اليومية الحديثة وقد تتعذر ترجمتها إلى شعر بالطريقة التقليدية المسترسلة في الوصف، لذلك يلجأ الشعراء أحيانا إلى التعبير عن مشاهداتهم اليومية بما يمتلكونه من فطنة وحسّ دقيق ومرونة لغوية من خلال الومضة، وكما يوحي به مسمى "الومضة" لا بد أن تكون الومضة "براقة" بمعنى أنها تستطيع أن تخطف القلوب والأذهان بكثافتها المعنوية وخفتها اللغوية، فهي تؤدي رسالتها ببلاغة حين تلقي دهشتها في ذهن مشوش وروح متعبة من الإجهاد اليومي فلا تترك عذرًا للوقت الذي صار الضجر من ندرته سيد الحجج في العصر الحديث. وقالت: "لو قيل إن الومضة قد تمثل قصر نفس الشاعر فهذا الحكم ليس حقيقيا تماما لأن قصر النفس لا يعني حتما عدد الكلمات أو الأبيات في القصيدة فمن القصائد المطولة جدا ما يمكن اختزاله في بيت واحد وهذا ما يجدر بنا أن نعيه وهو أن قصر النفس قد يشير إلى عجز الكلمات الكثيرة عن أن تأتي بمعاني مكثفة، ومتجددة، فمن وجهة نظر مغايرة أرى أن الومضة أنقذت الشعر من حالة التكرار ومنحت الشاعر الجرأة في التعبير الحرّ المختزل دون التوجس من التهمة بالقصور اللغوي أنا مع أن الومضة حالة تأصيلية وتجديدية في آن واحد ولها موقعها الخاص في فضاء الشعر". "الإيجاز اللامع" فيما شاركت الكاتبة في الصالون الثقافي بنادي أدبي جدة د. إيمان أشقر قائلة: إننا نجد الومضة الشعرية هي الإيجاز اللامع في الشعر، الإدهاش والتشويق في القليل من الكلمات، فلا هي قصيدة عصماء قافيتها تسعٌ وتسعون بيتاً من الشعر ولا هي معلقة يعجز المرء عن حفظ أبياتها. وأردفت: "تتميز الومضة الشعرية بإيصال المعنى مع وجود الرمزية والتشبيه والغموض أحيانا مع سلاسة الحرف وعذوبة الكلمات في جمل قصيرة قد لا تتعدى ثلاثة أبيات، وفي أغلب الأحيان هناك حبكة درامية ومشهد يمثل قصة قصيرة في أبيات من الشعر". وأشارت أشقر إلى أن الومضة الشعرية ليست بالأدب الحديث، فقد قال عنها الشاعر الفلسطيني، عز الدين المناصرة، بأنها قصيدة قصيرة من نوع جنس الحافة تتناسب مع الاقتصاد وإيقاع العصر الحديث، وهي صورة صافية منفصلة عن الذات و تفتقد إلى المفارقة، مؤكداً أن الومضة الشعرية لم تكن وليدة العقد العشرين، بل راجت في السبعينيات وليست بالغائبة عن الشعر القديم كذلك، ففي الشعر القديم هناك أمدح بيت شعر وهذا أهجى بيت، وقد يحظى قائل قصيدة عصماء بالبقاء في ذاكرة التاريخ من خلال بيت واحد وهذا يوافق تعريف الومضة الشعرية. وأكملت: "أُتهمت الومضة الشعرية بأنها تقليد للشعر الياباني المعروف ب (الهايكو)، والذي يكتفي بثلاثة أبيات وسبعة مقاطع، ولكنها ليست كذلك، من الشعراء العرب الذين أبدعوا في الومضة محمود سامي البارودي و رباعيات عمر الخيام، أمل دنقل ، نزار قباني، مظفر النواب، أدونيس وغيرهم كثير، فالومضة الشعرية لاتعني قصر نفس الشاعر و لا ضيق صدر المتلقي بالأبيات الطويلة، بل هو خيال لا يلهث وراء قافية طويلة ذات إعجاز، وإعجازها الحق في غموض ما بين السطور من معاني، و الإبحار بما خف من عذوبة الصور وعدم التكرار في جمل قصيرة وأسطر قليلة سريعة الولوج إلى القلب، وطويلة الأمد في البقاء في الذاكرة، حيث إن الومضة تتبع شريعة (خير الكلام ما قل ودل) كُتبت الومضة الشعرية بعيداً عن القافية ولم تكن الإشارة إليها بأنها كذلك، وكنت أظن أني أحلقِ بعيداً عن السرب واكتفيت بالعزف المنفرد علّ القادم من الأيام يشهد لأبياتي بأنها كانت ومضات شعرية". د. إيمان أشقر د. عبدالله الخضير هيفاء الجبري