تمثل الزيارة التي يقوم بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- إلى العاصمة الفرنسية باريس، والتي بدأت يوم الجمعة الماضي 16 يونيو 2023م ولمدة عشرة أيام، أهمية بالغة لكونها نموذجاً للشراكة الاستراتيجية في العلاقات الدولية. حيث تعد فرنسا من أهم الشركاء التجاريين للمملكة في أوروبا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 8.3 مليارات يورو في عام 2020، تتضمن التجارة صادرات النفط والغاز من السعودية إلى فرنسا، وصادرات المنتجات الصناعية والزراعية من فرنسا إلى السعودية. كما تشهد العلاقات استثمارات متبادلة في قطاعات مثل الاتصالات، والخدمات المالية، والصحة، والتعليم. تطور أيضاً التعاون في مجالات جديدة، مثل التحول الرقمي والابتكار والطاقة المتجددة. وتحظى الثقافة بأهمية خاصة في تعزيز التفاهم المتبادل بين الشعبين، حيث تقوم فرنسا بدور رائد في دعم التطورات الثقافية في المملكة، مثل إنشاء متحف لوفر أبو ظبي، وإطلاق مشروع إحياء التراث في منطقة عسير. كما تستضيف فرنسا عدداً كبيراً من الطلاب السعوديين، الذين يدرسون في جامعاتها ومؤسساتها التعليمية العريقة. أيضاً مشاركة فرنسا في قوات التحالف لحرب تحرير الكويت عام 1991م، التوقيع على اتفاق لإنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة عام 2011م، وإطلاق مبادرة الشراكة الاستراتيجية للقرن الحادي والعشرين عام 2015م، والتعاون في مجال الفضاء والأمن السيبراني. وفي هذه الزيارة تسعى المملكة وفرنسا على تحقيق نقلة نوعية في تعزيز الشراكات الموثوقة الآمنة، فضلًا عن السعي الجاد لتهدئة مستدامة للنزاعات في المنطقة، وتعظيم سياسة تصفير الأزمات، والإسهام في بلورة بدائل مشتركة للتنمية ومكافحة الفقر والتغير المناخي، ومجالات التعاون في الطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف، وعززت المملكة الجهود الدولية في العمل لإنجاح اتفاقية باريس للمناخ 2015م؛ من خلال إعلان ولي العهد عن مبادرتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر" وغيرها في الملفات الإقليمية والدولية. ويمكن اعتبار العلاقة السعودية - الفرنسية نموذجًا للشراكة الاستراتيجية، التي لا تتغير، بل تزداد تعاظمًا مع مرور الوقت، تتمّ مراجعتها على ضوء التجارب السابقة، والواقع الحاضر، والرؤية المستقبلية. والمملكة تنشد في تحالفاتها مع الدول احترام سيادتها واستقلال قرارها، وأولوية مصالحها وعدم التدخل في شؤونها أو إملاء أو فرض شروط، فضلًا عن المضي نحو ديمومة واستمرار هذه الشراكة الاستراتيجية، وفق المصالح المشتركة والاحترام المتبادل. وظهر ذلك جلياً في الحرص الدائم من فرنسا على ديمومة العلاقة مع المملكة، ليس فقط على الصعيد الثنائي، ولكن أيضًا في احتواء الأزمات واعتماد نهج مشترك للأزمات العالمية، ومواجهة آثارها السلبية في الاقتصاد والامن الاستقرار. وفي الختام متوقع أن تكون مخرجات هذه الزيارة كبيرة، ومفيدة للمملكة وفرنسا وللعالم؛ من خلال دعم وتعزيز الشراكة الموثوقة، وتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة العربية، إلى حلحلة مسار الحرب الأوكرانية الروسية إلى إنهاء الأزمة اللبنانية والليبية واليمنية.