"همّتنا مثل جبل طويق" و "طموحنا عنان السماء". هكذا وبكلمات معدودة اختزل مهندس الرؤية وراعي مشروع السعودية الجديدة الطموح، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وصفته لبناء مستقبل المملكة وركيزته الصلبة التي ينطلق منها لرسم غد بلادنا العزيزة. "الإنسان" نعم هو الثروة الحقيقية ورأس المال الثابت في معادلة التغيير والتحول، هو نقطة البدء وكلمة الخاتمة في رواية النهضة وماراثون التحديات الذي لا تنتهي أشواطه، بل تتعاظم مساراته كُلما قطعنا خطوة نحو الأمام ليدشن أمامنا المزيد والمزيد من متعة التحدّي ولذة الإنجاز وعظمة تحقيق الأرقام القياسية. قد يبدو للمتابع أن المشاريع الاقتصادية والبنى التحتية العملاقة، والمدن الذكية الوليدة، والتغيرات النوعية في المشهد الاجتماعي والسياحي والثقافي، وما صاحبها من جذب لأنظار العالم نحو قوة إقليمية وعالمية أخذت بفرض حضورها القيادي، هي من تمثّل عناوين الرؤية ونتاجاتها المتتالية، لكن في حقيقة الأمر أن عناوين وعلامات التغيير على الرغم من أهميتها ودرجة إبهارها، لا يمكن لها أن تطغى على القيمة الجوهرية لرؤية أميرنا الشاب، والمتمثلة في إعادة بناء العقل كمقدمة حتمية لتنمية مستدامة، ورفعة مزدهرة، وتقدّم لا يعترف بالتردد أو التراجع، وبأنه اللبنة الأولى لبناء نموذج حضاري وإنساني مؤثر يكون له بصمته في المنظومة الحضارية العالمية اليوم وغدًا. قد تكون أجود عطايا التاريخ أن وهبنا دروسًا بالمجان، يقدّم لنا الحلول بلا مقابل، يضع بين أيدينا وصفات الشفاء جاهزة التحضير، يطرح أمامنا السيناريوهات لنسترشد بها في رحلتنا نحو بناء ذاتنا بأمان وثبات، ومن وداعته أن يترك لنا القرار بأيدينا لاتخاذ ما يلزم دون تسلّط، أنبأنا كيف أن إعادة بناء الإنسان كان الرافعة التي انتشلت دولًا من تحت الركام ومن قاع الحطام لتعتلي منصات التقدّم والريادة في العالم. وكيف أن العناية بثروة البشر مهّد لقيام دول قوية تفتقد للحد الأدنى من الموارد الطبيعية والثروات المادية، وكيف أن تكريس الأولوية لبناء النماء المعرفي والقيّمي والعلمي والفكري ضرورة مُلحّة لخلق قاعدة متماسكة تؤسس لأمة طموحة لا تعترف بالمستحيل، ومجتمعات منسجمة خالية من الصراعات الهدّامة والذهنيات المعيقة ولا تنشغل سوى بالارتقاء والإبداع، ويستشعر فيها كل فرد بمسؤولياته وواجباته تجاه مجتمعه ووطنه، وأنه ذو قيمة مؤثرة أيٍ كان موقعه في حركة التغيير التي يشهدها محيطه. لقد أدرك "صاحب الرؤية" أن "الإنسان" هو بمثابة "المادة الخام" لمشروعه النهضوي الواعد، وبأنه الركيزة الأساسية للقوة السعودية الحضارية الناهضة، ومغذّي الاحتياجات المتجددة والمتسارعة، لذلك لم يكن بغريب أن تستحوذ مهمة إعادة تهيئة البنية الفكرية والمعرفية للإنسان السعودي على صدارة أولويات "الرؤية"، بدءاً من "رياض الأطفال" مرورًا بطلاب المدارس والكليات والجامعات، وصولًا للعاملين الحاليين وحتى المتقاعدين، انطلاقًا من حقيقة أن للمعرفة صلاحية مفتوحة مدى الحياة، وأن العطاء والإبداع والابتكار لا تُعيقه حواجز الأعمار، فجاء برنامج تنمية القدرات البشرية الذي أطلقه سمو ولي العهد في عام 2021 شاملًا 89 مبادرة مصممة لتحقيق 16 هدفًا استراتيجيًا من مستهدفات رؤية 2030، ليعبّر عن فلسفة سموّه ونظرته ل "إعداد مواطن طموح يمتلك المهارات والمعرفة، ويواكب المتغيرات المتجددة لسوق العمل، مما يساهم في بناء اقتصاد متين قائم على المهارات والمعرفة وأساسه رأس المال البشري". لقد ارتكزت استراتيجية البرنامج على ضرورة إعادة إعداد المواطن من خلال تنمية الشغف بالمعرفة، والاعتزاز بالقيم، والنجاح في العمل، وتحفيز الريادة والمنافسة محليًا وعالميًا، والتطوير المستمر للمهارات وتنمية القدرات. ولم يتوقف عن حث المواطن على مهارات التفكير الإبداعي وتحليل البيانات وتطوير حتى المهارات الاجتماعية والعاطفية لتعزيز تنافسية المواطنين وتحقيق متطلبات الثورة الصناعية الرابعة، فيما يوحي تركيزه على تعزيز قيم الوسطية والتسامح والعزيمة والمثابرة والانضباط والإتقان، بالرسالة الرئيسة بأن يكون اكتساب المعرفة والتعلّم مقدّم على الانشغال بتحصيل الشهادات، وأن الإبداع والابتكار والتميز هو أساس العمل ووحده من يؤهل للمرء لمواكبة حركة التطور المتسارع ويبقيه على جادة الإنجاز، وبأن الامتثال للقيم الإنسانية النبيلة والأخلاق متلازمة الإنسان المحمودة وغير القابلة للتزعزع، وبأن التواضع في الطموحات لا يخلّف سوى التراجع والتخاذل والإخفاق. إن إعلاء قيمة الإنسان تتضح جلية في خطاب الرؤية وبرامجها، التي أكّدت أنه محور الاهتمام لخارطة الطريق نحو مستقبل مملكتنا المشرق، ومنه تستمد بلادنا طاقتها للمضي بدرب التقدّم والازدهار والقوة. "عندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم".