صرح بيل غيتس مؤخراً أن الذكاء الاصطناعي التوليدي ممثلاً في برامج الدردشة مثل تطبيق تشات (جي بي تي) ستغني عن محركات البحث بما في ذلك محرك غوغل. وكما هو معروف، فقد بذلت مايكروسوفت جهوداً كبيرة في منافسة غوغل في مجال محركات البحث دون أن تحقق نتائج مرضية. ليس تصريح بيل غيتس مفاجئاً بل متوقعاً فقد فتح الذكاء التوليدي مساحة جديدة للمنافسة قد تجدها مايكروسوفت فرصة أخرى لتعويض ما فاتها عندما دخلت عالم محركات البحث متأخرة، رغم أن مايكروسوفت أول من مكن المستخدمين من استعراض الإنترنت عبر متصفحها الشهير، إلا أنها لم تفطن لأهمية البحث فلم تعطه الاهتمام الذي يستحقه إلا بعد فوات الأوان. من باب المنافسة، قد تكون مايكروسوفت أكثر الشركات الكبرى سعادة بهذا التحول الكبير، فقد تجد فرصتها في الذكاء التوليدي، ولا بأس أن يكون ذلك على حساب غيرها، ولا يضرها كما يبدو لو تأخرت قليلاً، فالضغط الأكبر على شركات البحث التي ترى تصريحاً مثل هذا قاتلاً، في وقت تجد نفسها في صراع من أجل البقاء. بمجرد ظهور تطبيق تشات (جي بي تي) على السطح، كانت مايكروسوفت أول المرحبين به في نادي الكبار عندما تعاقدت على توفير التطبيق في جميع منتجاتها بما في ذلك محرك البحث، هل يعد هذا الترحيب انتهازاً لفرصة استراتيجية لإعادة تشكيل خريطة المنافسة، كما لو كان تحريكاً للمياه الراكدة؟ كما فعلت في محرك البحث، دخلت مايكروسوفت في سباق الذكاء التوليدي مؤخراً بإطلاق كوزموس-1 في مطلع العام، حيث يعالج التطبيق الصوت والصورة إضافة إلى النصوص. وليس من الواضح إن كانت استراتيجية مايكروسوفت في الذكاء التوليدي هي المنافسة على المراكز الأولى أم محاولة اللحاق بالركب والبقاء غير بعيد عن التحولات الكبرى التي لا يُعرف مداها أو عمقها. ما زالت القدرات التدميرية للابتكار، كما يعبر عنها الاقتصادي النمساوي شمبيتر، عصية على التطويع. ففي مثال مايكروسوفت نجد أن الاستجابة لتقنيات الذكاء الاصطناعي عالية، إنما لم تدخل نفسها في سباق محموم –حتى الآن على الأقل– راضية بالبقاء في السباق وامتصاص صدمة التغيير بأقل الأضرار، في مثال غوغل، نجد أن التقنيات التي احتضنتها في البدايات ونمت وتطورت في كنفها، شبت عن الطوق واستقلت بنفسها في كيانات جديدة تزاحمها بقوة. اختارت مايكروسوفت السلامة، واختارت غوغل المغامرة التي لم تسلم منها. كانت النتيجة، كما تبدو لنا الآن، أن الأخيرة دفعت بالعربة إلى الأمام فانطلقت وكادت أن تفوتها حتى تعلقت بها في آخر لحظة، المفارقة أن غوغل تبنت التقنية منذ البدايات لكنها ترددت في الشوط الأخير، لعلها ترددت لأنها تفاجأت بالنتيجة فلم تدرِ ما تصنع بها، ولعلها ما زالت في غلس الابتكار حتى إذا جاء الصباح حمد القوم السرى.