أكد رئيس جمعية الفلسفة السعودية عبدالله المطيري أن الفلسفة المثالية عزلت الذات عن العالم الخارجي من خلال حبسها في مهمة تأسيس العالم وبنائه انطلاقا من مركزيتها وهو ما يجعلها ذاتا وحيدة بلا آخر. في المقابل نجد أن الفلسفة الواقعية بتجلياتها التجريبية عزلت الذات عن الحقيقة من خلال حصر تلك الحقيقة في العالم الخارجي في حالة انفصاله الأولى عن الذات مما جعل الذات في حالة اغتراب عن المعنى. وأضاف المطيري ضمن مشاركة جمعية الفلسفة السعودية في مخبر الفينومولوجيا وتطبيقاتها والتي نظمتها جامعة تلمسان في الجمهورية الجزائرية يومي 22 - 23 من مايو 2023 وقدم خلالها عدد من أعضاء الجمعية أوراق عمل في حقل الفلسفة، أنه يمكن تلخيص إشكالية هذه المداخلة في "مدى إمكانية ممارسة الدراسة الفينومينولوجية أو التأمل الفينومينولوجي في اللغة مع الوفاء لمبادئ أساسية في البحث الفينومينولوجي قد تكون هي التي دعتنا للتعاطي معه ابتداء". في البداية من المهم إجراء بعض التحديدات لكي تكون الإشكالية واضحة. أولا من المهم التفريق بين الدراسات المتعلقة بلغة الفينومينولوجيا أي بالدراسات التي تشتغل على اللغة كما تستخدم في البحث الفينومينولوجي أو كما استخدمها الفينومينولوجيون على اختلاف مشاربهم وبين الفينومينولوجيا التي تجعل من اللغة بما هي لغة ظاهرة لها وهي الدراسات المعنية في هذه المداخلة. هذا المجال يحافظ على فيونومينولوجيته من خلال الابتعاد عن دراسة اللغة باعتبارها موضوعا هناك في الخارج كما تفعل الدراسات اللغوية المختلفة وبين دراستها على أنها عمليات في الذهن كما تفعل دراسات النيروساينس وما يرتبط بها من دراسات لغوية. الدراسة الفينومينولجية إذن معنية باللغة المستخدمة في الحياة المعيشية المباشرة انطلاقا من الخبرة المباشرة للمتعالقين لغويا. وزاد المطيري: في دراستي الخاصة عن الضيافة باعتبارها شكلا مميزا من علاقة الذات بالآخر يتجلى فيها الوجود باعتباره وجودا من أجل الآخر كانت المنهج الفينومينولوجي نافذة مدهشة على هذه العلاقة. ليس عليك كدارس إلا الالتزام بدور المنصت الذي يحاول الاقتراب قدر الإمكان من الخبرات التي تجمع الضيف بالمضيف. علاقة الضيافة هذه تتمظهر في أشكال مختلفة كما تعلمون فهي تتمظهر جسديا وسلوكيا من خلال الأفعال التي يقوم بها الضيف ليعبّر عن وجوده المرحّب سواء من خلال الباب المفتوح أو الذات المفتوحة أو الكف المفتوحة التي تجعل المصافحة حالة أولى لا تتغيّر. من خلال الوجه الطلق الذي يعبّر باستمرار عن ابتهاج وجوديّ بالضيافة. يشكّل المضيف المكان انطلاقا من كونه مكانا للضيافة فالبيت يتم تخطيطه وبناؤه انطلاقا من كونه مكانا للآخر كذلك بحيث تشكل فيه غرف الضيوف مكوّنا أساسيا. فحين يقول المضيف للضيف البيت بيتك فهو يعبّر عن حالة ابتدأت مبكرا قبل تشييد البيت. تتجلى الضيافة فنيا في سلوك المضيف كذلك فهو يعد المكان والغذاء جماليا ليعبّر من خلاله عن الرعاية التي يقدمها للآخر وهو وجوده باعتباره معتنيا بالآخر. الضيف في الجهة الأخرى يعبّر عن انخراطه في عالم الضيافة هذا من خلال اقباله الأول بما يحمل من ثقة واستسلام ومن قبوله للعناية التي يتلقاها الآن من مضيفه أو مما أحب أن أسميها بالأمومة الكامنة في الضيافة. وكانت ورقة شايع الوقيان عضو جمعية الفلسفة بعنوان (هل يمكن إقامة أنطولوجيا أو علم للوجود على المنهج الفينومينولوجي؟)، ويقرر أن المنهج الفينومينولوجيكما وضع أصوله هوسرل لا يسمح بوصف الوجود في ذاته بعيداً عن أفعال الوعي القصدي. لأن هوسرل حصر المنهج في وصف ما يعطىالحدس أو الإدراك الحسي المباشر، دونما فحص للبنية الأنطولوجية للشيء في ذاته. ولجأ هوسرل لذلك لبلوغ معرفة يقينية بالشيء، وكان هوسرل قد استبعد منهج الاستدلال لأنه يفضي إلى معرفة بالشيء غير مباشرة. من هنا يقترح الوقيان في ورقته إجراء تعديل منهجي يزاوج فيه بين الوصف الفينومينولوجي عند هوسرل وبين الاستدلال وتحديداً كما مارسه ديكارت. ويسمي المنهج بالوصف الاستدلالي. وفيه يمكننا وصف الشيء دون إحالة له إلى كينونات أخرى كالعلل والشرط التكوينية، وإنما نصف الشيء انطلاقاً من ظهوره للوعي باتجاه ما لا يظهر: وهو وجود الشيء ذاته. فيتم في الوصف الاستدلالي انتقالٌ مما نراه إلى ما لا نراه في حدود الشيء. وقد توصل إلى أن أول نتيجة نحصل عليها بعد تطبيق هذا المنهج هو أن وجود الشيء هو أنه إمكانية قصوى، بمعنى أن الشيء في ذاته يوجد وجوداً إمكانياً متنوعاً، ولكن هذا الإمكان يصبح وجوداً متعيناً.