انتهاء قمة جدة العربية، لا يعني أن المملكة أسدلت الستار عليها، بل هو بداية لحراك سعودي جديد لتعظيم مخرجات إعلان جدة في جميع محاوره، والوصول لنتائج على أرض الواقع حيال القضايا المحورية التي تم مناقشتها في اجتماعات القمة خصوصا فيما يتعلق في جانب تعزيز العلاقات العربية - السورية، وإيجاد حلول للأزمة السورية بعد مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد لأول مرة منذ تجميد مقعد سورية منذ عام 2011.. وحظي الملف السوري بأولوية في مناقشات القمة وأيضا في دهاليزها.. ونص إعلان جدة على تكثيف الجهود العربية الرامية لمساعدة سورية على تجاوز أزمتها، وتعزيز ظروف عودة اللاجئين، والحفاظ على وحدة أراضي سورية". ومثلت عودة سورية للحضن العربي انطلاقة لفترة علاقات سورية - عربية أقوى، كما تمثل عودة سورية إلى مكانتها الشرعية في المنطقة، حيث رحب إعلان جدة بالقرار الصادر عن اجتماع مجلس الجامعة على المستوى الوزاري، الذي تضمن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة والمنظمات والأجهزة التابعة لها معربا عن الأمل في أن يسهم ذلك في دعم استقرار الجمهورية العربية السورية، ويحافظ على وحدة أراضيها، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، وأهمية مواصلة وتكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سورية على تجاوز أزمتها، اتساقًا مع المصلحة العربية المشتركة والعلاقات الأخوية التي تجمع الشعوب العربية كافة. وتقود المملكة اليوم نظام إقليمي عربي جديد يقوم على تبادل المصالح والتعاون الأمني والسياسي لصالح إعادة تشكيل المنطقة، لتكون متراصة ومتعاونة لمواجهة نظام دولي جديد لتكون الدول العربية لاعبا محوريا مهما في الاقتصاد الدولي والتجارة والنفط العالمي فضلا عن استمرار ترميم الوضع العربي لتثبيت دعائم استقرار الأوضاع العربية، خاصة في منطقة الهلال الخصيب المأزومة، أي العراق وسورية ولبنان. ومن المتوقع أن تنشط الدبلوماسية السعودية ارتكازا لرئاستها للقمة ولخبرتها ومكانتها ودورها السياسي الفعال عربيا وإقليميا". وقرار عودة سورية إلى "الجامعة العربية" يمكن وصفه بتتويج" للقاءات والتشاورات خلال الفترة الماضية بشأن الملف السوري. ويرى مراقبون سوريون تحدثوا ل"الرياض" أن مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد شكلت خطوة هامة نحو تنقية الأجواء العربية، وضمان عودة الأمن والاستقرار لسورية بمساعدة العرب وتعزيز الحلول السياسية وإنهاء التواجد الأجنبي والمليشيات من الأراضي السورية مؤكدين أن عودة سورية للجامعة العربية كانت ضرورة ملحة تفرضها اعتبارات الأمن القومي والمصالح العليا العربية المشتركة، وسيسهم في إخراج سورية من الأزمات التي عصفت بها طيلة أكثر من عقد من السنوات، وعودتها للعب دورها العربي الكامل. وانعكس ذلك في إعلان جدة في إشارة واضحة للسعي العربي لمساعدة سورية للخروج من محنتها، وهو ما عكس وفق مراقبين مستوى التقدم الحاصل في العلاقات بين دمشق وبقية العواصم العربية واتفاق الزعماء العرب في البيان الختامي للقمة على ضرورة التكاتف لحل قضايا الأمة، وقد اتخذت أجواء القمة الطابع الإيجابي والتفاؤل بوحدة غير مسبوقة لجميع الدول العربية، وعلى رأس القضايا هي القضية الفلسطينية والأزمات المستجدة في السودان وليبيا، فضلا عن قضايا اليمن وسورية ولبنان، وتوحيد المواقف في علاقات الدول العربية بمحيطها الإقليمي والدولي. وتعد عودة سورية للمحيط العربي، وخاصة حضور الأسد للقمة، وسط ترحيب عربي، نقطة تحوّل بارزة في مستقبل العلاقات العربية والتي طاولتها أزمات جمّة خلال السنوات الماضية، وهو ما قد ينتج عنه في القادم من الأيام أسس أمنية إقليمية جديدة، حيث إن خطوة إعادة دمشق للمسار العربي تُعتبر أولى خطوات وقف حالة الاستعصاء والتوترات الأمنية بدول الإقليم. ويبدو جليا أن الدول العربية رأت أن عزل دمشق هو إجراءٌ لا طائل منه، بل على العكس، فهو يفاقم الأوضاع في المنطقة ويضيف تعقيدات كثيرة إلى الملفات الإقليمية، بما في ذلك الملف السوري نفسه، وبالتالي ربما كان خيار الاحتضان هو الطريق الأفضل بالنسبة لهم في هذه المرحلة لما يحدث من التحولات الدولية، التي يتطلب فيها الاستقرار وإنهاء التوترات بالمنطقة أكثر من أي وقت مضى. لقد وضعت قمة جدة خارطة عمل لتعظيم الحلول السياسية خاصة بعد المتغيرات الدولية الجديدة الرامية في نهاية الأمر إلى ذهاب النظام العالمي نحو التعدد القطبي فحل الأزمات العربية وتحديدا الأزمة السورية أصبح لزاما وضرورياً لأحداث التكاتف العربي لأن ذلك سيعطي قوة كبيرة لوحدة القرار اللاعبين الأساسين في القرار العالمي والانتقال من أطر التبعية والاملاءات إلى استقلال الدور بعد أن بقت بعض الدول العربية لفترات خاضعة ترتهن للقرار الغربي التي أعاقت الفاعلية العربية في إطار وحدة مصالح الإقليم والتوافق العربي الإقليمي حول القضايا والمصالح العربية.. الدول العربية تسعى للتحرر من الإملاءات وتضع التوحد العرب وتوحيد الرؤى والأهداف وحسن إدارة الموارد العربية الضخمة فوق أي اعتبار خاصة فيما يتعلق بالطاقة والغذاء والماء فقد أثبت الحرب الروسية الأوكرانية مدى أهمية المنطقة العربية استراتيجياً لضبط سعر النفط العالمي. وعكست مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية، حدث له العديد من الدلالات السياسية، بعد أكثر من عقد من عزلة عربية دعما للجهود المبذولة للتوصل لتسوية سياسية للقضية السورية. لقد عادت سورية إلى الجامعة العربية، التي ألغت تجميد عضوية النظام السوري فيها في 7 مايو، لتنهي بذلك قطيعة عربية مع النظام منذ أواخر العام 2011 كونها ضرورة عربية واضعين التحولات الدولية المتسارعة وتنامي النفوذ الروسي والصيني المقبول وسعيه لحل المشكلات العالقة في المنطقة وقراءة المشهد على ضوء التطورات الشاملة والتقارب السعودي - الإيراني واستئناف العلاقات والعمل على إيجاد حلول عربية للأزمات العربية". وأكد المحللون أنه على مدى السنوات الماضية، لم تتمكن المسارات الدولية، بما في ذلك "اللجنة الدستورية السورية"، من إيجاد أي حلول للوضع السوري، ولم تستطع حتى من تحقيق أي تقدم في مسار الحل السياسي في البلاد ضمن إطار القرار الأممي رقم "2254" الصادر عن "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة"، وهو ما يشير إلى تراجع الدور الأممي لدفع عجلة الحل السياسي في سورية. ويبدو واضحا أن سورية مثقلةً بالعديد من الأزمات، التي تسببت بها العقوبات المشددة الدولية المفروضة عليها وسحقت اقتصاد سورية الباحث عن "طوق نجاة" من انفتاح الدول العربية عليه وإعمار سورية ورفع العقوبات المفروضة بما فيها قانون "قيصر" الأميركي الذي دخل حيّز التنفيذ منتصف العام 2020، والذي فرض عقوبات قاسية على القيادة السورية. وترغب الدول العربية الوصول إلى حل سياسي في سورية يستند إلى قرارات الشرعية، وتعاوناً بملفي المخدرات واللاجئين، وإنهاء الوجود الأجنبي في سورية. وتحمل مشاركة الأسد في القمة العربية بعد 13 عاماً من حضوره آخر قمة عربية (قمة سرت في العام 2010)، الكثير من الدلالات السياسية التي من المتوقع أن تنهي مشهدا سورية كان معقدا يزيد فرص التوصل لحل سياسي لإحياء العملية السياسية، ويعيدها إلى محيطها العربي اقتصاديا، والمضي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة في سورية حيث تبنى وزراء الخارجية العرب قرار عودة سورية لمقعدها في جامعة الدول العربية، بعد غياب دام 12 عاماً، كما قررت المملكة استئناف عمل بعثتها الدبلوماسية في الجمهورية العربية السورية. وتعد عودة سورية إلى محيطها العربي تطورا من شأنه الإسراع في إنهاء الأزمة في الداخل السوري، والإسهام في عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وتعزيز الجهود القائمة لمكافحة الإرهاب والقضاء على التنظيمات الإرهابية المهددة لأمن سورية وللدول العربية ووقف عمليات تهريب المخدرات والاتجار بها. لقد دخلت الدول العربية الأجواء التوافقية والتصالحية التي سعت المملكة العربية السعودية قبيل انعقاد القمة إلى إشاعتها، مصحوبة بخطاب يتبنى نهج تفكيك الأزمات العربية لمواجهة التغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة.. أن محادثات "التطبيع" العربي مع الحكومة السورية خلال الفترة الماضية وعلى عدة مستويات، توجّت بالاتفاق والتأكيد على التعاون المشترك، حول إعادة اللاجئين السوريين، وضمان وسهولة الوصول إلى المساعدات الإنسانية، وبالطبع التفاهم الأهم بالنسبة للدول العربية، هي خطوة التعاون والتنسيق بشأن تجارة المخدرات عبر الحدود، والوضع الأمني في سورية، وإعادة الحديث عن ضرورة التوصل لتسوية سياسية شاملة للبلاد. وليس هناك شك بأن عودة سورية سيكون لها أثر أمني وسياسي على النظام العربي ككل، وتؤسس لنظام عربي جديد قائم على التعاون الإقليمي الأوسع.