أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في قمة جدة الجمعة الماضية على طي صفحة الماضي وإنهاء الصراعات في المنطقة من أجل مستقبل شعوبها، حيث قال: "نؤكد للشرق والغرب أن منطقتنا لن تكون ميداناً للصراعات، وسنطوي صفحة الماضي لأجل مستقبل بلادنا وشعوبنا". هكذا قادت المملكة العربية السعودية القمة العربية (32) في أصعب أوقاتها وفي ظروف عالمية مقلقة يصعب التنبؤ بأبعادها، لكن قيادة السعودية لهذه القمة لها أبعاد سياسية واقتصادية نحو نظام عربي جديد يوحد صفوفها ويلمّ شملها نحو اقتصاد وتنمية مستدامة. إنها رؤية ومبادرات المملكة اتجاه الشرق الأوسط الجديد انطلاقاً من رؤيتها 2030، وبأبعاد استراتيجية إقليمية ودولية وما ينبغي أن يكون عليه مستقبل الدول العربية والمنطقة، بإنهاء النزاعات وتسوية الخلافات والاستثمار في التنمية الاقتصادية وما يسعد شعوب المنطقة. إن الدور القيادي والمحوري الذي تمارسه السعودية أصبح واضحاً على المستوى الإقليمي والدولي، حيث لم يعد مقبولاً ولا مجدياً في ظل المعطيات الحالية التدخلات السياسية الخارجية في شؤون الدول العربية في زمن تتسابق فيه الدول على قيادة الاقتصاد العالمي، كما هو جارٍ بين الولاياتالمتحدة والصين، بينما دولٌ في منطقتنا تهدر ثرواتها وتدمر اقتصاداتها نحو المزيد من التدهور والإفلاس، إن النظرة المستقبلية للقمة العربية تتجسد في خلق بيئة سياسية واقتصادية مستقرة، تقود المنطقة إلى بر السلام وتمكنها من المنافسة واستثمار ميزها النسبية والتنافسية من أجل رفاه مجتمعاتها. فقد حقق الاقتصاد العربي المركز الخامس عالمياً في 2022، بعد أن كان في المركز الثامن في 2021، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية 22 % من 2.89 تريليون دولار في 2021، أو 3 % من الاقتصاد العالمي إلى 3.52 تريليونات دولار، أو 3.51 % من الاقتصاد العالمي في 2022، مدعوماً بنمو الاقتصادات الخليجية مع ارتفاع أسعار النفط. وساهم الاقتصاد السعودي بنحو 31.6 % أو 1.11 تريليون دولار في 2022. كما شكل الاقتصاد الخليجي 62.2 % من الاقتصاد العربي في 2022، حيث بلغ الناتج المحلي لدول الخليج 2.19 تريليون دولار، وفقا لصندوق النقد الدولي وهيئات الإحصاء العربية. إن هذه الأرقام تظهر مدى أهمية مشاركة الدول العربية من خارج دول مجلس التعاون الخليجي في الاقتصاد العربي، والذي لم تتجاوز 39 % من إجمالي الناتج المحلي العربي، لكي يحتل الاقتصاد العربي مركزاً عالمياً متقدماً يكون له تأثير على الاقتصاد الدولي والتبادل التجاري العالمي. إن الدول العربية يمكنها تعزيز اقتصاداتها ومواكبة أكبر اقتصادات العالم في بيئة أمنة ومستقرة وجاذبة للاستثمارات، وهي تدرك جيداً أهمية الوحدة العربية في ظل المعطيات والتحديات العالمية التي تشكل استنزافاً لقدراتها وثرواتها وتزيد من مخاطر مستقبلها، لذا جاءت قرارات هذه القمة فريدة من نوعها وتاريخية في مخرجاتها بعد أن أدرك الجميع أن الوحدة العربية ووضع الحلول المناسبة لمشكلاتها وإغلاق بوابة التدخلات الخارجية سينعكس إيجاباً على اقتصادها ويزيد من الرفاهية الاقتصادية لشعوبها. إن المملكة العربية السعودية قادرة على قيادة المصالح العربية نحو الاستقرار والتنمية الاقتصادية، برؤيتها وتوحيد الصف العربي والتركيز على الأهداف الاقتصادية، للخروج من الأزمات السياسية نحو اقتصادات مزدهرة وتنمية مستدامة، فمازالت الشعوب العربية تتطلع إلى نظام اقتصادي جديد يلبي حاجاتها ويضع الاقتصاد العربي بين أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم.