قررت هذا الصباح أن أخرج من وجعي، ومن ظني، ومن كل ما يربطني بالأمس، قررت أن أكتب للشمس، وللغيمة، ولفطائر اللبنة، ولكوب الشاي، ولكتاب أمامي يفتح صدره، اعترضت عقلي فكرة لطالما راودتني وأنا أصعد سُلم الطائرة أو أنا ممددة على كرسي في حديقة عامة، المدهش أن عقلي دائماً يدفعني لخيال جامح ويربط كل ما يمر به بطريقة كمبيوترية، فيجعلني نبيهة للتفاصيل والحركات والوجوه والألفاظ، هو نوع من أنواع الهوايات السهل إجادتها بلا قوانين تحد من متعتها، قرأت ذات مرة أن عقل الكاتب ليس له وحده، هو ثروة يجب أن توزع بعدالة بين عقول البشر، من جرب أن يعيش الحياة بكل فصولها سيجد أنها لم تكن قاسية أو صعبة إلا على من وضع الحواجز بينه وبينها، وتدثّر بطاقة انهزامية تجذب كل بؤس له، السؤال كيف نتعلم ثقافة تقبل الحياة بكل ما فيها من بشر ملونين، ومرتفعات ومنخفضات في العيش؟ كيف نتعلم ثقافة حب الحياة حتى لو أوجعتنا؟ وهل الحياة فقدت مصداقيتها معنا؟ إن الأمر أكبر من أن تكون متقبلاً للحياة يا سَادة.. أن تعيش؛ معناه أن تقبل شروط الحياة بكل ما فيها من مد الأمل وجزر اليأس، أن تعيش بشكل جيد لا يعني أن تتحول كائناً أنانياً لا يتفاعل مع ما حوله، كن مثل عين مجردة ترصد كل ما حولها بمصداقية، مثل عدسة الكاميرا التي تلتقط الصورة بلا تنقيح أو تمدد أو محاباة لصالح صاحب الصورة، فالحيادية الأصل فينا، لذلك يجب أن يكون لديك مدار خاص بك فلا تدور حول أحد أو تتبع أحداً، ولا تتعثر بتقلبات الظروف المحيطة بك فتتمدد مثل موجة البحر حسب جاذبية قمر الآخر. دعك ممن يهاجمك بمسمى الخطأ، ويتقاطع معك بكل عنف وقسوة، هذا النوع لا يدوم طويلاً، إلا أن هناك مصطلحاً لا أعلم هل سبقني أحد إليه أم لا وهو (جرائم الجهلة)، لأن ثرثرة الجاهل بكل شيء هي نوع من أنواع السلطة على الآخر، قد يكون انتهازياً يفكر بمصالحه الشخصية دون وعي أو معلومة حقيقية يستند عليها، هنا سوف يرتكب الكثير من الجرائم في حق مجتمعه ونفسه، لذلك حاجتنا لوعي حقيقي يقف بعيداً في الحياد، يرصد، ويفكر، ويحلل الواقع كما هو، يفكر بشمولية، ويطرح علينا آراءه دون فرض، ويدع لنا حرية الاختيار. أذكر قصّه ل (زوربا) مع الكرز، كان يحبّ الكرز كثيراً، وقرّر أن يُشفى من حبّه إيّاه بأن يأكل منه كثيراً.. كثيراً حتّى يتقيّأه، بعد ذلك أصبح يعامله كفاكهة عاديّة. هي طريقة طريفة في الشفاء ممّا استعبده، ونحن نحتاج أن نكون مثل (زوربا) بكل ما به من حدية وتطرف وحزن وفلسفة وانتصار وهزائم، ولكنه قوي وعاش حياته بلذة وذكاء ووعي. فقط دعونا نقرأ التاريخ جيداً ونتعظ مما يدور حولنا، ونوسع أفق تفكيرنا ونحاول رفع حرارة الوعي فينا، وننظر إلى الحياة بأنها هبة عظيمة من الخالق.