لا أفضّل عادةً أن أكتب في مجالات خارج المجال العلميّ أو الإداريّ، لكنّي أحببت هذه المرّةَ أن أكتب عن ظاهرةٍ اجتماعيّة وأخلاقيّة مزعجة انتشرت مؤخّرًا، وهي بروز بعض التوافه، وحرصهم على الشهرة وحبّ الظهور عبر منصّة التيك توك. جُلّهم يجتمع من أجل نشر مقاطع الرقص والكوميديا السخيفة والهزليّة، وليس لهدف تقديم المفيد؛ فترى أن عمر بعضهم قد وصل إلى ما يقارب الستّين، ومع ذلك يخرجون في بثّ مباشر بشكل مخجل مع مراهقات في عمر أحفادهم. والعتب هنا ليس على منصّة التيك توك التي أتاحت لهؤلاء نشر الملايين من الفيديوهات كي يصبحوا مشاهير في بلدنا، بل العتب علينا نحن الذين صنعنا منهم مشاهير، وجعلنا منهم مصانع منتشرة للتفاهة، والسؤال هنا: ما الذي يحدث؟ ومن المسؤول؟ حصل مؤخّرًا مجموعةٌ من مشاهير التيك توك على مبالغ ضخمة مقابل مشاهدات الناس لمقاطعهم، فحسب سياسة المنصّة، يحصل مُنشِئ المحتوى على مبلغ (20-40) دولاراً مقابل مليون مشاهدة. والمبكي أنّ ما يجمعه الفرد منهم في دقائق قد يعادل راتب مهندس لمدّة 17 عامًا كاملًا. كلّنا يعرف فائدة الطبيب والمهندس... إلخ، ولكن ما فائدة «التيك توكر»؟ لا شكّ أنّ لهذا البرنامج والمقاطع التي تُبثُّ من خلاله أضراره وآثاره السلبيّة على المجتمع. وتقع الإشكاليّة الكبرى في مخاوف الإدمان على هذا التطبيق، لا سيّما وأنّ العديد من جمهوره من جيل الشباب والأطفال الصغار الذين ما تزال أدمغتهم في طور التطوّر، فضلًا عن كون بعض المقاطع فاحشة ومبتذلَة وغير أخلاقيّة. لذا، هذا التطبيق جريمة بحقّ الأجيال القادمة والناشئة؛ لأنّه يعمل على انحدار المجتمع، وتسطيح الثقافة، وتلاشي القيم والأخلاق، وفي النهاية، قد يضيع جيل بأكمله. إنّ ما يحدث في برنامج تيك توك مخيف، وكلّنا مسؤولون؛ فلولا مشاهدة الناس لمقاطعه، لما اشتُهر أصحاب تلك المقاطع، وكسبوا هذه المبالغ، لقد حان الوقت لأن نعمل معًا على مقاطعتهم، كما أتمنّى أن تعمل المملكة على حظر التيك توك أسوة ببعض الدول؛ لما له من تأثير اجتماعيّ، بل وقد يكون تجسّسيّ، ويضرّ بأمن الدولة والنظام العامّ. وفي الختام، على من سخَّر الله لهم الآلاف أو الملايين من المتابعين أن يكونوا خير قدوة للناس، وأن يكون لهم دور مجتمعيّ فعّال في تنمية المجتمع، وتقديم المفيد. وفّقكم الله لما يحبّه ويرضاه. *باحث في علوم وهندسة المواد، ومهتمّ في علوم الإدارة الهندسيّة