إدارة منصات السوشيال ميديا العالمية مسؤولة - برأيي - عن انخفاض جودة المحتوى العربي والخليجي بل السعودي تحديداً، وهي مُتهمة بتسطيح ذائقة ومستوى فكر المُتلقي عندما تحتفي بالتافهين والفارغين وتروِّج لمقاطعهم وحساباتهم، وتجعلها في واجهة مُحركات البحث، أو الفيديوهات المُقترحة، خلافاً لدعم هؤلاء بطرق مُختلفة ومتنوعة، وصنعهم كنجوم مُفترضين، إمَّا بدعوتهم للمؤتمرات والمناسبات التي تنظمها تحت بند ناشطين في السوشيال ميديا ومشاهير, وهو ما يمنحهم الأفضلية أمام المُتلقي على حساب من يملكون بالفعل محتوى جيداً ومُفيداً، وإمَّا بجعل المساحة الأكبر والفرصة الأكثر تذهب دائما للأقل فائدة للمجتمع، والأكثر ضرراً وتأثيراً على النشء بشكل سلبي، وهو ما يجعل السلسلة تستمر في توالد وتكاثر أصحاب هذا التوجه الفارغ، والبالون يكبر أكثر وأكثر بلجوء المُعلنين لهؤلاء، بسبب أرقام المُتابعين وأعدادهم غير الصحيحة والدقيقة غالباً، ممَّا يبعث لدي الشعور والشك بأنَّ ذلك مقصودا ضمن مؤامرة تُحاك لتسطيح فكر شباب مجتمعنا واهتماماتهم، وخلق فجوة بينهم وبين قادة الفكر والرأي الحقيقيين فيه، لناحية تصدير التافهين للمشهد دوماً. أعجبتني جداً النتائج الإيجابية لحملة (تبليك المشاهير) التي أطلقها شباب سعوديون من أجل تخليص المجتمع من سلطة وسطوة التافهين من المشاهير، الذين جلبوا للبيوت الصداع والشقاق، وجعلوا عدداً كبيراً منا يعيشون في نفاق اجتماعي تسلل إلى داخل الأسر، بل بين الأزواج والإخوة والأقارب، جراء كذب ودجل وتدليس وتغرير بعض أصحاب الحسابات المشهورة على السوشيال ميديا من المُتصنعين بأنَّ الحياة مُجرد فشخرة واستعراض وسعادة وسفر وتبذير، خلاف الواقع والحقيقية التي يخفيها بعض هؤلاء عن حياتهم الطبيعية وتفاصيلها المريرة. مُنذ عامين - كتبتُ هنا - أكثر من 5 مقالات للتحذير من الأثر السلبي لمشاهير السوشيال ميديا الذين يتاجرون بمتابعيهم ويحولونهم كأرقام لزيادة سعر وأجرة الإعلان، إضافة للتحذير من ضرر مُتابعة ما يفعلونه ويقومون به في يومياتهم ومسرحياتهم التي لا يدفعون فيها ريالاً واحداً، فكل حياتهم التي يصوِّرونها مدفوعة الثمن، الأكل مجاناً واللبس مجاناً، والتذاكر مجاناً والفنادق مجاناً، وربما أنَّ بعضهم يروِّج لبضاعته ومتاجره ومحلاته دون أن يعلم أحد، ومن يدفع الثمن هو أنا وأنت عندما يتابع أطفالنا وزوجاتنا حسابات هؤلاء، ويبحثون عن حياة مُماثلة لما يعيشه مشاهير الثمن المدفوع... نجاح ثورة المُتابعين وانقلابهم على المشاهير المُتاجرين بحب الناس (بالتبليك والحذف) هو حدث مهم، سيؤسس لمرحلة جديدة للتعاطي مع هذه الوسائل، والجميل أنَّها خطوة سعودية بالكامل، كأفضل رد على موقف معظم هؤلاء المشاهير الذين لم يقدموا لوطنهم ومُجتمعهم ما يستحق، وكان همهم الأول هو الكسب المادي وجني الأرباح على حساب مشاعر وحب مُتابعيهم، وهو ما يؤكد ألا حاجة لأمثالهم في حياتنا، حتى نعيش في سعادة وهناء ورضا وقناعة، والخيار دائماً لك بكل حرية. وعلى دروب الخير نلتقي.