اللوحات التعبيرية هي عبارة عن وجوه وملامح يتحدث أصحابها بصمت، ولكنه صمت آخر مختلف عن الذي نعهده أو نجربه بحياتنا. هذا ما توصلت إليه وأنا بأروقة المعرض الشخصي للفنانة السعودية الأستاذة مريم الشملاوي الذي أقامته بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بالدمام. ولما التقيت بصاحبة ذلك الجانب المضيء والمشرف بحياة وثقافة وحضارة المرأة السعودية عبر تاريخ تعبيري متماسك ومتصل لكل مرحلة لوحة تعبيرية مختلفة.. التقيتها فكان هذا الحوار: * الفنان التشكيلي أقدر المبدعين على إخفاء شخصيته داخل لوحاته، فما رأيك؟ وهل لك أن تحدثينا عن تجربتك التشكيلية؟ * تجدني في لوحاتي أهيم في فضاءات روحي لأعبر عن هويتي ورؤيتي لما يحدث في محيطي من انفعالات وقضايا وتفاعلات للمرأة. تغلبني أفكاري كامرأة لأغير في كينونتها وهويتها برمزية الثراء اللوني وهيمنة النظرة وغموض الانفعالات والتناقضات الداخلية والصراعات النفسية. وكل ما أود كشفه عني هو أنني كامرأة أبوح بأسراري في لوحاتي كلها. * برأيك إلى أيّ حدٍ تجد الشملاوي افتتانها بالرسم، وعوالمه التي ما تزال تتشكل كل يوم داخلها فكرة، وتنمو خارجها لوحات تعبيرية؟ * أنا امرأة فتنها الرسم؛ أسافر في عالمه السحري، وأحلق فوق غيومه لأرسل في طريقي رسائل تعبيرية لمجتمعي عن ملهمتي المرأة بملامحها، وللمجتمع الذي نحيا فيه، رسائل أبعثها عن لوحاتي باستحضار المرأة في اليوم والأمس، والغد؛ فهي الملهمة المفعمة بفيض من الذكريات والتطلعات والأحلام، وهذا التاريخ الإنساني الأنثوي هو ما يدفعني للرسم دائمًا. * هل ترين أنّ الفنانة التشكيلية السعودية أوجدت لها مساحة تنافسية على المستوى الإقليمي والدولي، أم ما تزال بحاجة لموارد ودوافع داخلية لتثبت جودة تجربتها ومن ثم تحوز على معيار الفنان العالمي؟ * الفنانة السعودية اليوم كجزء من نسيج مجتمع المرأة العالمية تخطو بخطى واثقة وطموحة ومتفائلة نحو الهدف، ولا نستطيع في هذه المرحلة القول إنها قد أثبتت وجودها وثقلها بالشكل الذي نطمح إليه على مستوى عالمي ولكن خطاها باتت وشيكة الوصول لهذا الهدف؛ فقد أثبتت موهبتها، وقوة فرشاتها، وثقافتها الفنية داخليًا، لكن الوصول للعالمية لن يكون بدوافع داخلية ومجهود فردي، وإنما تحتاج لتظافر الجهود فهي تحتاج مجهودها ودعم المجتمع، والجهات الرسمية المختصة. بالتالي فإن دعمنا كفنانات هو ارتقاء بثقافة المجتمع وإبراز الهوية السعودية عالمياً كفرشاة ناضجة وعلى مستوى يؤهلها للدخول لساحات التنافس الفني العالمي بكل ثقة ونضج ووعي بالتجارب الناجحة. * مرّ الفن التشكيلي خلال تطوراته بعدة مدارس: الواقعيّة، والرمزية، والتعبيرية، والتجريدية، والتكعيبية والانطباعية، والسريالية،.. فبأي مدرسةٍ تجد الشملاوي نفسها، وتجربتها بشكل أوضح؟ ولماذا هذا الميول دونًا عن غيره؟! * أجد نفسي بعوالم التعبيرية، فهي مدرسة المشاعر والأحاسيس التي تعتمد على إظهار تعابير الوجوه والأحاسيس النفسية بخطوط وألوان تبين الحالة النفسية للشخص الذي أرسمه مستخدمة اللون الذي يبرز الانفعالات، ويثير في نفس المتلقي مزيج من المشاعر تجاه الموضوع التعبيري. * هل يمكن للفنان التشكيلي أن يُنشئ مدرسته الخاصة به كما يحدث في الشِعر حين يخلق الشاعر لنفسه قاموسه الخاص به؟ * مدارس الفن التشكيلي ما هي إلا حدود يلتزم بها الفنان أحيانًا ليكسرها تماماً حيناً آخر، فتتولد بذلك مدرسة فنية بقواعد مختلفة عن سابقتها، وهكذا وعلى مر التاريخ تطور الفن. وأن تظهر مدرسة فنية فردية جديدة ليس بالأمر العادي، هو كولادة طفل جديد من رحم الفن، هو كاكتشاف نور جديد ينير درب الفن، يكفيني في الفن أن أخلق لنفسي بصمة خاصة يعرفني المتلقي بها أو أسلك مسلكي الخاص في مسار الفن المزدهر بالتجديد والتنوع. * كل مبدعة تُنتج إبداعها وفق طقوس ومصادر معينة وخاصة بها تختلف من مبدع إلى آخر وسؤالي: ما هي المصادر والطقوس التي تقف خلف الشملاوي لتصنع لنا من ورائها كل هذا الإبداع المؤثر والجاذب والمتطور؟ * يدفعني الإلهام والاندماج والانغماس الفني ما بعد منتصف الليل عادةً للرسم؛ حيث يهدأ العالم المتسارع بمشاغل الحياة اليومية من حولي، ويحل الهدوء والسكينة، وتنتابني حالة التآلف لوحاتي وأفكاري حالة التأمل لأعمال المبدعين التي تثير في نفسي الرغبة في الإنتاج وتلهمني بأفكار جديدة.. فالتغذية البصرية مهمة جداً وملهمة للفنان.. ويمكنني القول إن طقوسي ببساطة هي حالات من الهدوء والسلام الداخلي بعد تراكم المخزون الفكري الذي ينتج داخلي أحاسيس أعيشها بقلبي وروحي وصولاً للإلهام الذي يأتي كزائر مُنتظر يتحدث من خلال ألوان المشاعر على بياض لوحاتي. * أقمتِ مؤخراً معرضك التشكيلي الخاص بتعاون ودعم من قِبل جمعية الثقافة والفنون بالدمام، فما الذي أعطاكم إياه هذا المعرض؟ وكيف تقيمون الإقبال والاهتمام بها؟ * كنت محظوظة بأن تجربتي الأولى في إقامة معرض منفرد تبنتها جمعية الثقافة والفنون بالدمام. هذه التجربة أزالت عني معوقات تنظيم المعرض على كاهلي، هذا المعرض الذي وضعني اليوم في تحدٍ مع نفسي وأفكاري للحفاظ على بصمتي وهويتي الفنية في العمل الفني، ولكن بتجديد وابتكار خالٍ من تكرار الأفكار والمواضيع. لقد أبهرني الحضور، وأدهشتني كذلك الحفاوة بموهبتي التي التقيتها، والنقد البناء والاهتمام بتطوير وسائلي الفنية، كنت وما زلت في حالة افتخار بمجتمعي المتذوق الواعي، وأولئك الذين احتفوا بي وبفني ومنحوني الثقة بفرشاتي ولوني، وحمّلوني مسؤولية القادم والذي بات علي اليوم أن أقدمه للمتلقي بعناية تليق بوعيه تجاه مشروعي الفني، وأخيرًا لا أقول إلا أنّ جمعية الثقافة والفنون بالدمام تبنتني ومنحت تجربتي الانطلاقة. الزميل مدخلي بمعرض الفنانة الشملاوي