أذكر أني مرة من المرات كنت في مطار واشنطن ديسي انتظر إقلاع رحلتي، حينها استوقفتني إحدى الأخوات المسلمات سائلة: بحثت عن مكان أؤدي فيه الصلاة ولم أجد سوى ذلك المكان، وأشارت إليه، وهو مكان أشبه بالكنيسة كنت قد مررت بها للصلاة ولكن لوجود تمثال وصور تجنبته واتجهت إلى مكان آخر، فذكرت لها أن الصلاة (أعني صلاتنا نحن المسلمين) جائزة في الكنيسة للضرورة بشرط أن تخلو من التماثيل والصور، وأخبرتها أن هذا المكان لا تجوز الصلاة فيه، ثم أرشدتها إلى مكان آخر قد يكون ملائماً نوعاً ما للصلاة كنت للتو قد فرغت من الصلاة فيه، فبادرتني بقولها: أنا صليت في هذا المكان تعني الكنيسة و(ربك غفور رحيم). بعيداً عن تفاصيل المسألة فقهياً وعن موقف الأخت بعد سماع الإجابة، ولعل هناك العديد من المواقف المشابهة لذلكم الموقف سواء في الطرح أو بعد سماع الإجابة، وماذا سيكون؟ هذا الموقف يترك للمتأمل الكثير من التفسيرات والعديد من النتائج التي تدور في الذهن، وتترك بعضاً من الانطباعات، يأتي في مقدمتها أننا في حقيقة دواخلنا نضطر أحياناً إلى أن نسأل السؤال أياً كان، ونرغب أن تكون الإجابة وفق سجيتنا وطباعنا ورغبتنا الداخلية (على مزاجنا)، وحسب ميولنا، وليس بغية الحصول على الجواب والذي من أجله تم طرح السؤال، إذ إن من المتأصل علماً ودراية أن هدف السؤال دوماً لا يخرج عن كونه محاولة لنيل معرفة ما كقوله تعالى: «وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ»، أو إزالة حيرة أو شك كقوله سبحانه: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، أو البحث عن الاطمئنان والراحة «ولكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي». نعم هناك من يستخدم السؤال لإحراج الآخرين أو جعلهم في موقف سخرية وما شابهها، وهذا مشاهد ومتكرر على مسامعنا ومشاهداتنا اليومية، لكن الحقيقة تقول إن طرح السؤال لا بد أن يكون له مسبب ولإجابته مغزى وهدف وإلا لو كان غير ذلك لأصبح نوعاً من العبث الذي لا ينتهي إلى هدف واضح، والفضول الغبي الذي لا يؤدي إلى نتيجة محددة، وضياعاً لوقت ثمين نحن بأمس الحاجة إليه، ومدار حديثنا ومختصر مقالنا هو أننا لا بد أن نملك الشجاعة الكافية لمقاومة ميولنا ورغباتنا في أن تكون الإجابات موافقة لما نشتهي ونريد وإلا فليس لها قبول ولا تسليم ولا طاعة. نحن في الحقيقة نتعامل مع حقائق مدعمة بالبراهين والأدلة ومثال ذلك ما نشاهده ونسمعه بين الفينة والأخرى ممن يسأل عن أحكام شرعية ورخص تتوافق مع رغبته وشهوته، فتراه يكثر السؤال والاستفسار هنا وهناك حتى يجد ثقباً من باب أو نافذة يستطيع من خلالها الولوج، وإن لم يجد فلا أقل أن يقدم مخالفاً لما أرشدت إليه الفتوى وما آلت إليه الإجابة ويتبعها بقوله: (ربك غفور رحيم).