بعد مرور أكثر من عام على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، وانتهاء فصل الشتاء وجفاف الأراضي الخصبة في جنوب وشرق البلاد وفي الوقت الذي تستعد فيه كييف لشن هجوم مضاد على القوات الروسية يثور سؤال مهم أمام الحلفاء الغربيين: هل تستحق أوكرانيا كل هذا الدعم؟ وإذا كانت كذلك فلماذا؟ يقول الكاتب الروسي المقيم في ألمانيا ليونيد بيرشدسكي في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن التأييد الشعبي في مختلف الدول الغربية لاستمرار تزويد أوكرانيا بالأسلحة يتراجع، ففي الولاياتالمتحدة تتزايد نسبة المواطنين الذين يرون أن ما تقدمه الإدارة الأميركية لأوكرانيا أكثر مما يجب، وفي ألمانيا ترى أغلبية واضحة أن الجهود الدبلوماسية لتسوية الأزمة الأوكرانية غير كافية. وفي كل هذه الدول وفي الولاياتالمتحدة أيضا لا يتصور المواطنون أن روسيا يمكنها مهاجمة مدنهم كما تفعل في المدن الأوكرانية الآن، وحتى التضامن مع الشعب الأوكراني الذي يتعرض لعدوان غاشم واضطر للفرار من بلاده، لم يعد قضية جذابة عالميا، فأوكرانيا معروفة كدولة فاسدة، وأحدث فضيحة تورطت فيها أكبر جمعية خيرية أوكرانيا في إستوانيا أظهرت كيف يمكن تحويل المساعدات لغير مستحقيها بسهولة، كما أن الكثيرين من الأوروبيين المتطوعين لمساعدة اللاجئين الأوكرانيين في دولهم، يرون أن هذه المساعدة أفضل من إرسال الأسلحة أو الطائرات المسيرة للقوات الأوكرانية. وعندما تدعو الحكومات المواطنين الغربيين لدعم أوكرانيا، فهي تعتمد بشدة على البعد الأخلاقي والعاطفي: أغلب الشعوب تتفق على أن شن حرب من أجل الغزو تصرف خطأ، وأن التعذب أمر بغيض وأنه يجب حماية الشعوب المسالمة، لكن مثل هذه المشاعر التضامنية يمكن أن تتلاشى خاصة في مواجهة ارتفاع معدلات التضخم العالمية الناتجة عن الحرب الروسية ضد أوكرانيا والعقوبات التي تم فرضها على موسكو وتزايد المخاوف من مواجهة نووية. لذلك إذا أرادت الحكومات استمرار التأييد الشعبي لأوكرانيا، فإنها تحتاج لتقديم حجج ومبررات تستند للمصالح الذاتية المباشرة للناخبين المشتتين وضعاف الثقة، لذلك تتحدث الحكومات ومؤيدوها عن قلة الثمن المدفوع لدعم أوكرانيا مقارنة بالفوائد الناتجة عن التصدي لأطماع بوتين، وكما يقول الصحفي الأوكراني فيتالي سيزوف فإن مستوى الدعم الغربي الحالي لأوكرانيا هو ثمن بسيط يتم دفعه لوقف روسيا والتي لا يمكن التنبؤ بتحركاتها دون ان يحتاج حلف الناتو لإرسال جنوده لساحة المعركة، فإجمالي الدعم الذي قدمته الولاياتالمتحدةلأوكرانيا حتى الآن بلغ 76.8 مليار دولار وهو لا يزيد على 1.2 % من إجمالي الإنفاق الحكومي الأميركي في العام الماضي، كما أن المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا التي بلغت 46.6 مليار دولار تعادل 5.3 % فقط من الإنفاق العسكري الأميركي خلال العام الماضي، كما أن أغلب الأموال التي رصدتها لأوكرانيا، خرجت من الأراضي الأميركية في صورة أسلحة ومعدات الأميركية ساعدت في توفير وظائف للأميركيين، لآن قطاع الصناعات العسكرية والجوية الأميركية مسؤولة عن توفير حوالي 2 % من الوظائف في الولاياتالمتحدة. الأكثر من ذلك، يقول رافائيل كوهين وجيان جينتل من مؤسسة راند الأميركية للأبحاث إن أغلب المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا جاءت من الأسلحة الموجودة والمخزنة وبعضها متقادم، وهو ما يعني أن الكونغرس عندما يصوت على تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، فإنه يتيح للحكومة الأميركية تحديث ترسانتها العسكرية. وفي أوروبا أيضا أدت المساعدات العسكرية التي قدمتها دول القارة لأوكرانيا بقيمة 23.5 مليار دولار إلى تحفيز الصناعات العسكرية التي توفر 3.8 ملايين وظيفة مباشرة، وتدفع أكثر من 140 مليار يورو في صورة أجور سنوية، كما أتاحت الحرب الروسية في أوكرانيا لدول أوروبا الشرقية التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي السابق فرصة التخلص من مخزوناتها العسكرية القديمة، وتعاقدت مع الشركات الألمانية والبريطانية والفرنسية على تزويدها بأسلحة وذخائر جديدة. كما تقول الحكومات الأوروبية إنه إذا كانت الحرب والعقوبات التي فرضتها أوروبا على روسيا بسببها قد أدت لخسائر اقتصادية وبخاصة للمصدرين الأوروبيين، حيث ساهمت في تسجيل الاتحاد الأوروبي عجزا تجاريا قياسيا في العام الماضي، فإن هذا السيناريو ساعد أوروبا في إيجاد المزيد من أسواق التصدير البديلة حاليا كما حدث في سوق الطاقة. وهناك أزمة المهاجرين في أوروبا والتي يمكن أن يؤدي انتصار روسيا في الحرب إلى تفاقهما. فالغزو الروسي لأوكرانيا أدى إلى تدفق ملايين اللاجئين الأوكرانيين إلى باقي دول أوروبا بصورة لم تحدث حتى مع طوفان الهجرة الذي وصلها في السنوات الأولى للحرب الأهلية في سورية، ووفق تقديرات الأممالمتحدة فر حوالي 8.2 ملايين أوكراني إلى أوروبا بسبب الحرب، في حين وصل 5.2 ملايين مهاجر غير شرعي من دول الشرق الأوسط وأفريقيا حتى نهاية 2016. لكن الحكومات الأوروبية تقول إنه إذا خرجت أوكرانيا منتصرة من الحرب سيعود أغلب الأوكرانيين إلى ديارهم ولن يظل في أوروبا إلا عدد قليل من الأشخاص الذين تحتاجهم سوق العمل واندمجوا في الدول التي لجأوا إليها، أما إذا انتصرت روسيا فسيبقى ملايين الأوكرانيين في الدول الأوروبية مع ما يمثلونه من ضغط على مستويات معيشة المواطنين. أخيرا، يقول بيرشدسكي إنه إذا عجزت الحكومات الغربية عن تقديم المزيد من الحجج التي تخاطب المصالح الذاتية للناخين لضمان استمرار إرسال الأسلحة والمساعدات لأوكرانيا، لن يصمد الأوكرانيون طويلا خاصة إذا فشل هجومهم المضاد المنتظر على القوات الروسية. ولما كان انتهاء الحرب قريبا أمر غير محتمل حاليا، فإنه على السياسيين الغربيين التأكد من أن ناخبيهم لن يدركوا أن هؤلاء السياسيين أصروا منذ البداية على مواصلة الأخطاء باهظة التكلفة في التعامل مع الحرب الأوكرانية.