عقود متتالية استمرّ اقتصاد المملكة في الاعتماد على الإيرادات النفطية كمكوّن أساسي للميزانية العامة، حيث شكلت في كثير من السنوات ما يقارب 90 % من إيرادات الدولة، وبذلك كان اقتصادنا رهين سلعة واحدة معرضة للنضوب أو الاستغناء عنها في ظل اكتشاف مصادر مختلفة للطاقة في السنوات الأخيرة. ولعل ظهور مصادر الطاقة المختلفة والاضطرابات التي تعتري أسواق النفط ما بين حين وآخر كانت السبب في البحث عن بدائل. الإصلاحات الاقتصادية نوعت مصادر الدخل وحسنت نسبة الإيرادات غير النفطية فقررت حكومتنا الرشيدة إجراء العديد من الإصلاحات الاقتصادية بهدف تنويع مصادر الدخل وتحسين نسبة الإيرادات غير النفطية إلى إجمالي إيرادات الدولة، وكان أبرز تلك الإصلاحات هو توقيع الاتفاقية الموحدة لدول مجلس التعاون الخليجي والتي تنص على فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 % على السلع والخدمات اعتباراً من الأول من يناير 2018م. حيث تطبق ضريبة القيمة المضافة في أكثر من 166 دولة حول العالم، وتتراوح معدلات تطبيقها ما بين 5 % إلى 27 %. وبكل تأكيد أن قرار فرضها في المملكة لم يكن باليسير ولكن القرار كان للمصلحة العامة لضمان استمرار دعم مشروعات التنمية بمختلف أنواعها. ومع تزايد أهمية فرض الضريبة صدر نظام ضريبة القيمة المضافة متضمناً العديد من الشواهد الإنسانية التي تهدف إلى تحجيم أثر فرضها على المواطن، حيث شملت تلك الشواهد قطاع التعليم على سبيل المثال بحيث تتحمل الدولة وفقاً لأمر ملكي الضريبة عن الطلاب المواطنين في قطاع التعليم الخاص، ولم تقتصر على قطاع التعليم بل شملت قطاع الإسكان أيضاً، حيث تم إعفاء إيجار العقار السكني من الضريبة حتى لا تتفاقم أزمة الإسكان، كما تحملت الدولة عن المواطن الذي يرغب بتملك مسكنه الأول ضريبة بحد أقصى 50 ألف ريال وما تجاوز ذلك يتحمله المواطن. ونال قطاع الصحة أيضاً حصته من الدعم الحكومي حيث تتحمل الدولة وفقاً لذات الأمر الملكي المشار إليه الضريبة عن المواطنين الراغبين في الحصول على خدمات العلاج في المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة، وللأهمية البالغة التي يشكلها قطاع الصحة شمل الدعم تطبيق نسبة الصفر % على الأدوية والمعدات الطبية. ولم يكتفِ المشرّع بذلك بل فرض نسبة الصفر% على صادرات التجار من المملكة إلى خارجها شاملة جميع السلع والخدمات دعماً للمنتجات الوطنية في المنافسة وعدم فقدها لحصتها السوقية دولياً. ومما سبق يتضح جلياً حرص المشرّع على تحجيم أثر فرض الضريبة على المواطنين إلى أدنى حدّ ممكن، حيث شملت الجوانب الأساسية للحياة من السكن إلى التعليم إلى العلاج، وذلك بما لا يحد من الهدف الأساسي لفرض الضريبة كما في مطلع المقال بتحسين نسبة الإيرادات غير النفطية والذي تحقق بفضل الله أولاً وثم بالعمل الدؤوب من مختلف القطاعات الحكومية، حيث سجلت المملكة نتائج إيجابية أظهرتها تقارير وزارة المالية المتضمنة ارتفاع نسبة الإيرادات غير النفطية 209 % عن عام 2014م. أدام الله علينا خيراته وأمننا ونمونا واستقرارنا وتقدمنا عاماً تلو العام حتى نصل بوطننا الغالي إلى مصاف دول العالم في المجالات كافة بسواعد أبنائه المخلصين تحت ظل حكومتنا الرشيدة. *معيد بقسم المحاسبة - جامعة تبوك