عند الساعة الخامسة مساء أغادر مكتبي لأركب سيارتي كي أعود لبيتي بعد يوم عمل طويل وشاق، لكنني أعاني من الوصول في الوقت المناسب بسبب الصراع المروري. ففي كل يوم أشاهد الشوارع مزدحمة بالسيارات، وتسمع تذمر السائقين من هذا الازدحام الخانق، فحالنا نحن الموظفين يدعو للشفقة، فنحن عالقون تحت أو فوق الجسر أو في النفق أو في الطريق السريع الذي يسير كسرعة السلحفاة، والجميع يرثي حالنا الذي داهمنا الوقت ولا نزال نعتذر لأهالينا عن تأخير الزحمة، المعروف أن من الساعة الخامسة مساء وحتى الساعة السابعة مساء هي كما يلقبها الغرب بساعة (Rush Hour) وتعرف بساعة خروج الموظفين والطلاب إلى مشاوريهم اليومية، حيث يجدون أنفسهم وسط حالة الاختناق نفسها. تقول آخر الإحصاءات إن 25 % من السعوديون مصابون بمرض ارتفاع ضغط الدم، وهذا يعود إلى أحد الأسباب وهو الازدحام المروري الخانق الذي يتسبب في زيادة القلق والتوتر لدى السائقين، فعدد المركبات يفوق القدرة الاستيعابية لبعض الطرق، وبالإضافة إلى ظاهرة سلوكية عجيبة وهي عدم التزام السائقين بالنظام المروري بحيث يتزاحم على مخرج مصمم لمركبة واحدة، وبالتالي لا يوجد رقابة شديدة تساهم بتنظيم حركة السير، لقد تحول الازدحام المروري إلى سباق شرس وغير أخلاقي مما تسبب في أزمة أخلاق مرورية هائلة، فيفقد الناس أعصابهم وعدم قدرتهم على التحكم بقاموس الشتائم حتى لو كان السائق بصحبة عائلته، كما أن الشاحنات تشق طريقها مما يجعل سيارة أخرى تمر حتى يبدأ السباق السريع بينهم ونحن نتفرج من سيفوز بالمركز الأول. ذات مرة ركبت مع سائق أجرة في أوروبا من أصول عربية، أخذ يشكو من الازدحام المروري وغرامات السرعة القصوى، فسألته (هل تعلم متى سيخترعون لنا السيارات قادرة على الطيران حتى نتخلص من الازدحام المروري؟) فأجاب بمنتهى الصراحة: (إنني أنتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر حتى نزيل هذا الهم عنا). قلت له: (وأنا أيضا، إنني لا أريد أن أقود سيارتي في الشوارع وكأنني في حارة أبو عنتر)، قال: (كل عام وأنتم بخير).