إطلاق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في 13 أبريل 2023، لأربع مناطق اقتصادية خاصة تتميز بخصائص استراتيجية في الرياض وجازان ورأس الخير ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية، يعكس التخطيط السليم والحكيم والطموحات الكبيرة ذات الأهداف المحددة زمنيا ومكانيا في رؤية 2030. فلو لا قيادة ولي العهد مهندس هذه الرؤية، لما رأينا مثل هذه التحولات الاقتصادية الهيكلية والنوعية والتنمية المستدامة بنماذج جديدة، تشبه بشكلها ما حدث في الصين واليابان وكوريا وسنغافورة، ولكنها تختلف عنها ضمنيا، حيث إن توفير بيئة اقتصادية ملائمة لمزاولة الأنشطة الاقتصادية داخل هذه المناطق ليس بالأمر السهل، بل إنه يحدد نجاحها من فشلها على المدى الطويل. لذا تم الأخذ في الحسبان تنوع اختصاصات هذه المناطق وتميزها بالتركيز على قطاعات النمو، مثل التصنيع المتقدم والحوسبة السحابية والتكنولوجيا الطبية وسلسة التوريد وخطوط تجميع السيارات الخدمات اللوجستية وبناء السفن وصيانتها وإصلاحها وتشغيلها وتحويل المعادن. لقد تغيرت الظروف الاقتصادية والسوقية العالمية بسرعة في ظل الأزمات المتكررة، ولذلك تسعى الدول إلى تأمين نمو واستقرار وتنويع اقتصاداتها، وبدأت تطور المزيد من المناطق الاقتصادية الخاصة اتساقاً مع تلك المتغيرات وبيئة الأعمال والاقتصاد الجديدة. إن تغيرات الاقتصاد الكلي والبيئة التنظيمية العالمية، حفزت بعض البلدان نحو المناطق الاقتصادية الخاصة ذات الحجم الأوسع والمرتبط مباشرة بالاقتصاد المحلي في هذه البيئة الجديدة. وبهذا يكون امتلاك رؤية طويلة الأجل أمرا مهما، لتمكين الدولة من استثمار التحول الاقتصادي والفرص والذي قد يستغرق سنوات أو عقودا من الزمن، من أجل تحفيز التنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل وتعزيز الصادرات غير النفطية، بالتركيزً مكانيًا على الشركات ذات القيمة المضافة وليس فقط التي تحقيق أرباح لصالحها، مما سيدعم نمو الاقتصادات العنقودية والتكتلات المرتبطة بنقل السلع والعمالة والتكنولوجيا والمعرفة. وهو عامل جذب مهم للمستثمرين، ويسهل على الشركات تعويض نقاط الضعف بنقاط القوة، مما يجعل هذه المناطق وسيلة رائعة للتجارة الدولية والاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) ودفع عجلة التنمية الاقتصادية. إن اختيار هذه المناطق الاقتصادية الخاصة (SEZs) كأداة رئيسة لتشجيع الاستثمار، تم بناءً على ميزها النسبية وقدراتها التنافسية وميزها المكانية التي تدعم تقنية البيانات ذات الجودة العالية. إنها تهدف إلى دعم النمو الاقتصادي والانشطة الاقتصادية النوعية والواعدة، وذلك بتقديم محفزات ملموسة وغير ملموسة للمستثمرين المؤهلين للحصول على هذه الحوافز التجارية التنافسية حسب المنطقة والقطاع، وتوفير بيئة تشريعية ولوائح تنظيمية مرنة، بنية تحتية، إعفاءات ضريبية وجمركية، خدمات حوسبة سحابية، فرص واعدة لتطوير وتوسيع أعمال الشركات وابتكار تقنيات المستقبل. لهذا ستصبح مناطق جاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة وعنصرًا رئيسا في جهود تنويع الصادرات وتحسين المشاركة في سلاسل القيمة العالمية (GVC). إن نجاح برامج المناطق الاقتصادية يتطلب تخطيطًا استراتيجيًا سليمًا، طلبًا تجاريًا قويًا، وبيئة أعمال مواتية، ومشاركة نشطة من القطاع الخاص، قدرة تنفيذية قوية لكل من القطاعين العام والخاص. لأن هذه البرامج الاستراتيجية أدوات أساسية لتعزيز التصنيع والتحول الاقتصادي المتكامل مع استراتيجية التنمية الشاملة، ولهذا يصبح تحديد الجدوى الاقتصادية للمناطق مهمة لتحقيق الاستدامة، للتغلب على بعض إخفاقات السوق والتنسيق الحكومي، بخلق بيئة قانونية وتجارية ملاءمة وملتزمة بتطبيق المعايير الاجتماعية والبيئية العالية لضمان الاستدامة والقدرة التنافسية على المدى الطويل.