توقف قليلاً وانظر لكل ما حولك ومن حولك. محطة توقف، تقتل فيها سرعة الوقت وتسارعه، وتمهلك برهة من الزمن لتصالح نفسك الغريقة التي تتلقفها أمواج أخبار الحروب وسياسات الدول وإشاعات وفوضى برامج التواصل الاجتماعي، أنت في حاجة إلى فترة نقاهة تسترد فيها أنفاسك، وتسترجع نفسك التي سلبت منك لتبحث عن طوق نجاة ينتشلك من هذا البحر العميق وأمواجه المتلاطمة. من الجميل أن يكون لك رأي في كل قضية، ولكن الأجمل أن تجد القضية التي تناسب رأيك، وأن تجد الرأي الذي يناسب تلك القضية، لأنه وببساطة كما تستطيع أن تعبر عن رأيك تستطيع أن تمتنع عنه. لا تستطيع أن تكون السياسي والملتزم والرياضي والفنان والسينمائي والساخر والناقد. تروى قبل أن تشارك في هاشتاق ما، وتذكر بأنك لست ملزماً بالمشاركة، فالتمس الفهم أولاً وابتعد عن التشنج والغضب والانزعاج، فليس كل ما تراه هو بالضرورة حقيقة لا تقبل النقاش، خلق الله الأرض لتتسع لنا جميعاً ومنح الإنسان العقل ليميز به الخطأ من الصواب. شك في كل ما تقرأ وكل ما ترى وتسمع، فالشك كما قيل طريق اليقين، والتمس طريق العقل بعيداً عن فوضى العواطف. ضع بينك، وبين رؤوس أناملك الغاضبة، ولوحة مفاتيح جوالك، وحروف التغريدة، بضع دقائق تقيك شر الدرعمة والتسرع والإحراج. تيقن قبل أن تتهم، وأحسن الظن قبل أن تسيئه، والتمس العذر للجميع من عرفت ومن لم تعرف. تمهل قبل أن يسبق السيف العذل، وقبل أن يقصم الرأس فأس، وقبل أن تصيب قوماً بجهالة، الجمهور يستجيب لنداء العاطفة والعواطف مضللة وتنتشر كنار في هشيم، اعزل نفسك عن ذلك الجمهور قليلاً، وابحث عن البقعة الساكنة وسط هذه الفوضى المزعجة التي تصم العقول قبل الآذان، اسبح عكس التيار أو اذهب لليابسة، لا تسمح للتيار بأن يجرفك ولا لمؤججي العواطف أن يسلبوك لبك لتصبح كالبوق الذي لا يجيد سوى النفخ. قبل اتخاذ الرأي في موضوع مشكل ومعقد، جادل نفسك، انظر للزوايا المختلفة وحدد موقعك وقارن بين الأضداد وابحث عن المناطق المشتركة وجوانب الاختلاف واتخذ موقفك بحزم، حينها حتى وإن كنت مخطئاً ستنال شرف المحاولة. وبعد اتخاذ الرأي، كن منفتحاً للغاية ومتواضعاً، تلاعب كفنان بشعرة هي بين الحزم والمرونة، كن مستمعاً ولا تكن مندفعاً، أقر بالحق ولو على نفسك ولا تكابر، جادل بالتي أحسن، مراجعتك لقرارك قبل اتخاذه ليست كافية، فاستمع لما يريد الآخرون قوله، ولا تستصغر ولا تستحقر أحداً فالحكمة قد جعلها الله حتى في أفواه المجانين، وهي ضالة كل مؤمن ومنتهى كل عاقل. لست بأفضل من الجميع ولست بأقلهم، ابتعد عن مقارنة نفسك بالآخرين قدر الإمكان وقدر ذاتك حق قدرها بلا زيادة ولا نقصان، كن ذا لب وشغف للمعرفة وابحث دوماً عن المزيد، فطمع المعرفة محمود وعظيم النفع. إن أحسنت أن تفعل ذلك، سيرتقي مستوى مناقشاتك وستثق بآرائك وستجيد الحوار والنقاش، وستنتقل من طيش التفكير وتسرعه إلى حكمته وهدوئه، وستسلك دروب المعرفة كطالب ومتعلم لا يكف عن السؤال ويطمع دوماً بالمزيد. * أكاديمي في جامعة شقراء د. محمد المطيري