لاحظ إيريك واينر، مؤلِّف كتاب "جغرافيا العبقرية: دروس من الأماكن الأكثر تحفيزاً للإبداع في العالم"، توافر بعض المناطق في العالم دون غيرها وفي عصورٍ تاريخية مختلفة على العقول المبدعة والعبقرية التي كان لها دور في بناء الحضارة الإنسانية خارج نطاقاتها الجغرافية الضيقة، حيث قامت هذه العقول العبقرية والمبدعة بتقديم منجزاتها العظيمة في الفنون، والفلسفة، والتقنية، والاكتشافات العلمية للعالم. وبعد دراسته لبعض هذه المناطق دون غيرها توصل واينر إلى وجود ثلاث سمات مشتركة ميّزت هذه الحُقب الزمنية والمناطق الجغرافية التي ترعرع الإبداع في كنفها ووفرت تربة خصبة لظهور العبقرية وتجذرها، هذه السمات هي: التمازج بين الثقافات، والتنوُّع، والتميّز. يرى واينر أن ظهور العبقرية لا يقتصر فقط على الوراثة كما يرى العالم البريطاني في القرن التاسع عشر السير فرانسيس كالتون، أو التدريب الجاد كما يقول مالكوم كلادول في كتابه "المتميزون"، بل للجغرافيا دورها الكبير في ذلك، ليخلص واينر إلى أن: "لا شيء يقتل العبقرية والإبداع مثل العزلة". وإذا كان الإبداع المرتبط ببعدي المكان والزمان قد ظهر في بعض الأماكن الجغرافية المحدودة، مثل: أثينا في عهد بريكليس، وهانغتشو الصين في عصر شين كيو، وفلورنسا في زمن ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو، وأدنبرة في وقت جون هاتون، وكلكتا خلال حياة الشاعر طاغور، وفيينا في فترة موزارت وبيتهوفن، ووادي السليكون في وقتنا المعاصر مع ستيف جوبز، فإن هناك مكان آخر لا يقل عبقرية عن هذه الأماكن وقد قدم، وما زال يقدم، إنسانه للحضارة الإنسانية الكثير من المعطيات الحضارية وهو المملكة العربية السعودية التي كان إنسانها منذ القدم بعيداً عن قاتل العبقرية والإبداع: "العزلة". فقد منحت الجغرافيا المملكة العربية السعودية الموقع المميز الذي جعلها محور الربط بين القارات الثلاث: آسيا وأوروبا وإفريقيا، وجاءت عبقرية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله– ليتم استيعاب هذا البعد الجغرافي المهم في رؤية المستقبل: رؤية المملكة 2030. إن استحضار هذا المعطى الجغرافي وما يترتب عليه من تفاعل حضاري واقتصادي وسياسي للمملكة مع بقية أجزاء العالم ليؤكد على عبقرية الأمير والمكان الذي أنعم الله بكليهما على هذا الوطن الغالي. .. وللحديث بقية..