تنامت لدى المجتمعات الحضرية الحديثة مفاهيم سلبية تجاه «الواسطة» بحيث تنصرف الأذهان إلى صور وأشكال بعينها، وهي وإن كانت داخلة في مفهوم لفظ الواسطة وتندرج فيه لغة إلا أنها لا تستحق أن يكون اللفظ عَلَمًا محصورا عليها، في حين أن أولى ما يتّجه حمل الألفاظ عليه هي معانيها النبيلة، وأنبل معاني الواسطة نفع الناس بالخير وجميل السفارة لدى الولاة لتحقيق مصلحة معينة لشخصٍ لا يستطيع تحقيقها بمفرده، أو دفع مضرَّة عنه -لوجه الله- بعيدا عن المحسوبية واعتبار القرابة العائلية أو الزمالة شرطا لتحقيق المصالح؛ فالواسطة بمفهومها الحميد معدودة ضمن الأعراف الإنسانية الجميلة، وهي الشفاعة الحسنة، وقد رغّبت فيها الشرائع السماوية حتى جاء التوجيه الرباني بها في قوله سبحانه:«مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا» النساء/85. وكان نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يقول لأعيان الناس وذوي الجاه: «اشفعوا تؤجروا» ولم يخل عهد في تاريخ الدول من تطبيقات دالّة على اعتبار الولاة والأعيان لمبدأ الشفاعة، والإعلاء من شأنها، وتذكر كتب التاريخ قول الوليد بن عبدالملك لعروة بن الزبير حين كتب إليه في شأن بعض الرعية ممن استشفعه: «لا تقطع كتبك عني في أمثاله» ولا ريب أن لملوك المملكة العربية السعودية وأمرائها القدح المُعلّى في نفع الخاصة والعامة تحت بند ومبدأ الشفاعة، مما تعجز الدواوين عن رصده وتخليده، لكن، من جميل ما خلدته الذاكرة الشعبية وتحضر مناسبته موضوعاً وزماناً (رمضان) ما يُروى أن وجيهاً استشفعت به عجوز لدى الملك عبدالعزيز رحمه الله وطيب ثراه، لإطلاق سراح ابنها من السجن، وعندما أراد أن يتوسط لدى الملك نسي اسم السجين فتوسط لجميع المساجين وكان ذلك في شهر رمضان فعفى عنهم الملك عبدالعزيز إكراماً لذلك الوجيه، فأصبح هذا العفو تقليدًا ومكرمة رمضانية.