لو سألتني عن رأيي الشخصي عن أفضل وسيلة مواصلات للسفر، لأجبتك مباشرة «القطار». فأسعار تذاكره معقولة جداً مقارنة بأسعار تذاكر الطيران. وعملية الدخول إلى عربة القطار والخروج منها سريعة جدا، خصوصا والحقائب بجانبك وفي متناول يدك طوال الرحلة. ولا توجد قيود على استخدام الهاتف الذكي وارتباطه بشبكة الاتصالات. وكذلك يمكنك الحركة داخل القطار للتنشيط وفرد ساقك خلال الأسفار الطويلة، وغير ذلك من المزايا. هذه المقدمة تمهد لقصة حصلت أثناء فترة الدراسة في بريطانيا، إذ سافرت إلى إحدى المدن الإنجليزية لحضور دورة تدريبة، وبعد الفراغ منها، استقللت القطار لأرجع إلى مدينة نوتنجهام حيث سكني. لكن وقُبيل المغادرة، أعلن قائد القطار فجأة عن إلغاء الرحلة بسبب خلل فني، وأن علينا مغادرة القطار حالا. وكحال أي واحد منا عند إلغاء رحلة مجدولة ولديه مواعيد أخرى ستتأثر بسبب ذلك، انتابني الضيق الشديد، وخرجت من العربة لأبحث عن مسؤول للتفاهم معه. وما إن وجدت أمامي ناظر محطة القطار، حتى اندفعت وأخبرته عن استيائي، ولا شعوريا أصابتني نوبة غضب أصررت بسببها على تقديم شكوى. فما كان من ناظر المحطة إلا أن قال في هدوء «أتفهم موقفك، من فضلك أخبرني عن وجهتك، وسأدلك على قطار بديل يوصلك، وعندما تصل إلى هناك بإمكانك تقديم الشكوى التي تريد». أفحمتني إجابة ناظر المحطة، وبهدوء أخبرته عن وجهتي، وبدوره دلني على قطار آخر تحرّك بعد أن استقللته أنا ومجموعة من المسافرين الآخرين. وخلال الرحلة، شغلتني فكرة واحدة وهي كيف أن عواطف الإنسان وانفعالاته قد تطغى على صوت العقل والمنطق، فبدل التركيز على الهدف الأساسي وهو الوصول إلى وجهتي، أعماني الغضب وصار الهدف هو تقديم شكوى، غافلاً أن فعل ذلك لن يحل المشكلة. ولا شك، فالعاقل منا يدرك أن المواقف التي تمر بنا في حياتنا، سواء داخل البيت أو خارجه، ليست تحديات الغرض منها إنشاء صراع يجب الفوز فيه، بل يرى فيها تجارب نتعلم منها التعامل مع الوضع لإيجاد الحلول، وأول خطوة لفعل ذلك هي الهدوء وتمالك الأعصاب، ولا أدلّ على هذا إلا ما جاء في الأثر الكريم «ليس الشديد بالصرعة، بل الشديد من يملك نفسه عند الغضب». غنيٌ عن الذكر أنني لم أتقدم لاحقاً بأي شكوى، بل ازداد حبي للقطار الذي صارت لي معه ذكريات وخبرات أفيد منها، كما حصل بيني أنا وناظر محطة القطار.