حين الحديث عن الشهر الكريم رمضان.. فلن نخرج عن طلب مغفرة رب العالمين ورحمته.. ولدى كثيرين مثل هذا التوجه لكن يزيدون عليها بتغيير مفهوم هذا الشهر الكريم إلى نوع آخر من التعبّد.. تخص ملذات الطعام والإسراف المبالغ فيها.. والسهر وملاحقة ما يخصص من دراما تلفزيونية لهذا الشهر.. وتعبّد آخر يخص "دباشة شرائية".. والتسكع على أرضيات الأسواق. تلك حقائق نعرفها عن عادات كثيرة مخلة نمارسها أثناء رمضان، وأحسب أن تلك السيدة وهي تتحدث عبر التلفزيون صادقة حينما ألقت سؤالا بحجم المأساة قائلة: في غير رمضان نأكل ثلاث وجبات كعُرف إنساني قليل من يحيد عنه.. وفي رمضان المطالبون فيه بالصوم خُصص لنا وجبتان حددتا باسم الإفطار والسحور.. فلماذا تكون مائدة رمضان مكتظة وعدد الوجبات خلال الليل يفوق ما في غيره من الشهور؟! انتهى كلامها وأصدقها القول إن معظم أرقام الإسراف والعبث بالطعام تحضر خلال رمضان.. ناهيك عن جائحة شرائية مستشرية حتى لا تكاد أن تجد موقع قدم في الأسواق التموينية الكبيرة من فرط الزحام على المواد الغذائية.. فهل ما يحدث عادة؟ أم أصبحت ثقافة؟ وما مدى تأثيرها على مجتمعنا واقتصادنا؟! لن أجيب فهناك من المتخصصين المدركين من هم قادرون على التفصيل.. غير التأثير المباشر على المستقبل المالي والصحي، لكن ما أتمناه أن يكون الأمر شأنا وطنيا كبيرا تشرّع فيه حملة كبرى للتوعية ومضار الإسراف.. وهو شأن يخص المؤسسات المعنية والجمعيات وحتى المؤثرين وخطباء الجمعة.. فالأمر وإن كان هناك من يُصغر شأن تأثيره إلا أنه ضار جدا على الاقتصاد والصحة.. لأن الطعام للجميع والتعامل معه بهذا الشأن مؤثر على الأسعار والتخزين والاحتياج. جميعنا نبتغي من شهر الخير فرجا ومغفرة.. لكن حقيقة لا بد أن نعترف بها.. إننا لم نتخلص بعد من العادات الضارة على أنفسنا وبلادنا نفعل ذلك ونزيد من القلق، وكأن رمضان ليس شهر رحمة، ولا نحسب ذلك في عداد الأجر والتقرب من الله رغم أن الحقيقة أن كله خير وفيه خير.. نعيش أجواءه التي أردناها تلذذ بالطعام والسهر.. وكأن لا قرآن نقرؤه ولا دعاء نسترجعه.. فقط نردد أن السفرة لا بد أن تكون عامرة والبرامج التلفزيونية مسلية.. ناهيك عن الانكفاء على الريموت أو الركض نحو "الاستراحات" والأسواق. الأهم في القول إننا مجتمع سعودي إسلامي ننبذ الإسراف، وقدوتنا الرسول صلى الله عليه وسلم.. مؤطرين للمنهج الإلهي العظيم في كيفية عدم الإسراف في نعم الله عز وجل، والتي حث عليها القرآن الكريم في كثير من السور والآيات، كقوله تعالى: "كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين". أدعو الله أن يتقبل منّا ومنكم صالح الأعمال..