أثار إغلاق بنك "سيليكون فالي" القلق في العالم كله. وهذا ليس مصادفة. فأولاً إن هذا المصرف ليس في مكان ما في الأطراف وإنما في قلب العالم الصناعي وأكبر اقتصاد في العالم الولاياتالمتحدة. وهذه الأخيرة، كما يقول المثل، إذا عطست أصيب العالم كله بالزكام. ثانياً يشغل البنك المنهار موقعا متقدما في سلسلة النظام المصرفي الأمريكي. فأصوله قدرت بحوالي 200 مليار دولار، وترتيبه هو ال16 بين أكبر البنوك في الولاياتالمتحدة. ولهذا فليس مصادفة أن تخفض وكالة التصنيف الائتماني موديز نظرتها للنظام المصرفي الأمريكي إلى سالب. إن المشاكل التي أصابت بنك سيليكون فالي تعتبر انعكاسا لأزمة نظامية في الاقتصاد الأمريكي. فمثلما تبين، فإن هذا البنك كان يتعامل مع الشركات الناشئة التي تعمل في كاليفورنيا. وبالتالي، فقد كانت حالته المالية مريحة فيما مضى، لأن الشركات التي تتعامل معه تودع فيه أكثر مما تقترض منه. فودائع العملاء فيه تضاعفت من 44 مليار دولار إلى 189 مليار دولار. في حين أن القروض التي قدمها ارتفعت من 23 مليار إلى 66 مليار فقط. ولكن مثلما نعلم، فإن ربح أي بنك في العالم مرتبط بالفارق ما بين ما يعطيه للمودعين فيه وما يأخذه من المقترضين منه، وبشكل واسع: الفرق بين أموال المودعين وبين ما يستثمره البنك بتلك الأموال. فالودائع هي الرافعة المالية التي تعتمد عليها البنوك في زيادة استثماراتها وحصولها على الأرباح. وفي هذا المجال يلعب الفارق بين سعر الفائدة الذي تقدمه البنوك للمودعين وسعر الفائدة الذي تحصل عليه جراء توظيفها لتلك الودائع دوراً كبيراً في ارتفاع أو انخفاض أرباح البنوك. ولذلك، كان وضع بنك SVB غير مقلق عندما كانت أسعار الفائدة على الودائع منخفضة. فقد توسع في استخدام ودائع عملائه في الحصول على أصول بسعر فائدة مجزي له- وهذا يثير التساؤل حول مدى التزام البنك بمعايير بازل 3، التي تم وضعها بعد الكشف عن أوجه القصور في معايير النظم المالية للبنوك (بازل 1، بازل 2) على أثر أزمة الرهن العقاري عام 2008. ولذلك، بدأت المشاكل في النظام المصرفي عندما توجه الاحتياطي الفدرالي إلى رفع سعر الفائدة وبشكل مستمر للحد من التضخم، وخاصة بعد الأزمة الأوكرانية. فهذا بدوره أثر على سعر الفائدة الذي تقدمه البنوك للمودعين فيها. وهكذا أسقط في يد بنك وادي السيليكون، الذي أصبح ملزما بتقديم سعر فائدة مرتفع على الودائع قصيرة الأمد، في حين أنه قد وظف أموال ضخمة في أصول طويلة الأمد. ولهذا انقلب الوضع المريح وبدأ البنك يواجه صعوبات مالية. ولكن، يبدو أن خبرة عام 2008 وما تلاها، عندما تم حل أزمة الضائقة المالية من خلال التيسير الكمي وطباعة النقود، سوف تتكرر من جديد. فمن الواضح إن توزيع الأموال المطبوعة لا يكلف الكثير، وذلك على الرغم من معدلات التضخم التي سوف تترتب على ذلك في الولاياتالمتحدة وخارجها. فالعالم كله سوف يشارك في دفع الفاتورة وإنقاذ المودعين في SVB وغيره من البنوك المتعثرة.