إن المتتبع للنهضة الثقافية والحضارية التي تشهدها المملكة العربية السعودية سيلمس أنها باتت محط أنظار كثير من دول العالم العربية والعالمية، حيث باتت شاهداً على حراك ثقافي وحضاري يقدم أبناء المملكة للآخر بشكل نهضوي أصبح محل ثناء وتقدير لكثير من النخب والباحثين، فالمتتبع اليوم يمكنه أن يلاحظ بوضوح التطور والتقدم الشامل الذي قطعته النهضة العلمية والفكرية والثقافية بصورة عامة؛ وهي تأتي في سياق ما تعيشه المملكة من تقدم يطال جميع مناحي الحياة، في ظل الرؤية الطموحة للقيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهد الأمين، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-. وترتكز أسباب ومقومات هذه النهضة في الخطة والاستراتيجية المدروسة التي اتبعتها القيادة لتعزيز قطاع الثقافة بأكثر شمولية، حيث شكلت رؤية المملكة 2030، تحولاً جوهرياً هاما في إدراك الدور الكبير الذي تلعبه الثقافة في حياة المجتمعات، حيث يأتي إنشاء «هيئة الثقافة» في ضوء الرؤية الحكيمة في مقدمة هذا الاهتمام وتفعيله بدعم هذا القطاع باستقلالية وتفرد يجعله قادراً على تعزيز حضور الثقافة السعودية عربياً وعالمياً، وإطلاق العنان للثقافة والإبداع في إطار مؤسساتي. واتخذت المؤسسات الإعلامية والتعليمية والعلمية والثقافية بما في ذلك الجامعات والمعاهد ومراكز البحوث والأندية الأدبية والرياضية مسؤولية النهوض بجوانب الوعي الثقافي والفكري، حيث بلغت مرحلة النضج والازدهار والتأثير، وتسلحت بالتعددية وحرية التعبير لتقدم نتاجها الخاص الفاعل، الذي امتد شعاعه الإيجابي ليتعدى الحدود المحلية والعربية، نحو العالمية. وتعد النهضة الثقافية المعاصرة في المملكة محاولة لإعادة بلورة تجاور الأصالة والتجذر التاريخي للقيم والأعراف مع انفتاح مستنير جاد على الإنجازات الإنسانية في كافة المجالات، إضافة إلى استعادة دورها الريادي، في إطار الوحدة و التنوع والتعدد والتسامح في قبول الاختلاف، وهذا ما جعله مميزاً ومبهراً. وسخرت المملكة الإمكانيات في نشر أنواع مختلفة من المشروعات الثقافية المتميزة مثل إصدار سلاسل الكتب والموسوعات، والعناية بالفنون والآداب العربية والإسلامية والعالمية، وتشجيع انتشار المراكز والمؤسسات الثقافية التي من شأنها دعم كل ما هو ثقافي إلى جانب إنشاء المتاحف وإقامة المهرجانات والنشاطات الثقافية المتنوعة بأفكار جديدة وأدوات مدروسة. كما قدم الحراك الثقافي السعودي نموذجاً لافتاً في كيفية استثمار الطاقات التي يمتلكها أبناء البلد من شباب وشابات، في كل المجالات الثقافية والإبداعية والعلمية، وشكلت الإمكانيات الكامنة في المجتمع السعودي بتنوعه وعمقه التاريخي أهم روافد هذا الحراك، إضافة إلى المكانة الكبيرة التي تحظى بها المملكة على مستوى العالم اقتصاديا، مما يجعل أي حراك أو تغيير يتم بها يمثل اتجاهاً مؤثراً وكبيراً، لا يمكن تخطيه. بعد كل ذلك يمكننا أن نقول إن هذا المشهد النهضوي في المملكة المدهش بصرياً وفكرياً وثقافياً الذي رسم ملامح ألقها، سيكون محطة هامة في تاريخها لبناء وصناعة المستقبل الذي يليق بأبنائها. 1