في العشرين سنة الأخيرة برزت أندية القراءة بشكل واضح، سواء كانت أندية ناشئة في مكتبات عامة أو بين طلبة الجامعة، أو الأندية التي تنشأ بالتعاون مع المقاهي الثقافية التي انتشرت مؤخرًا، وكأنها تعيد للأذهان مقاهي مصر الثقافية القديمة (زهرة البستان، الفيشاوي والحرافيش، وغيرها..). ظهرت هذه الأندية في محاولة منها للابتعاد عن النخبوية، حيث كانت الفعاليات الثقافية والملتقيات محصورة على النخب، وربما لا يمكن للجميع حضور هذه الفعاليات الثقافية، في تلك الفترة الزمنية، لعدة أسباب منها أنها تقام بدعوات، أو محدودية الإعلان عنها وضعف التسويق لها وغير ذلك. فجاءت هذه الأندية كمبادرات شبابية بسيطة تجمع محبي القراءة لتكون دافعًا لهم ومحفزًا على القراءة، ففكرتها ببساطة تعتمد على اختيار كتاب وقراءته ومناقشته، سواء بشكل أسبوعي أو شهري. ثم بدأت هذه الأندية بالتوسع وإضافة أنشطة ثقافية أخرى متعلقة بالكتاب، ومن أبرز الأنشطة التي تقوم بها العديد من أندية القراءة؛ تدوير الكتاب، وهو نشاط يعتمد على تبادل الكتب بين القراء، حيث يمكنك استبدال الكتاب الذي انتهيت منه ولن ترجع لقراءته، بكتاب آخر من كتب الأعضاء، مما يضمن تجديد مكتبتك بشكل مجاني نوعا ما. وكذلك مناقشة الخطط القرائية في بداية العام، أو الحديث عن معارض الكتب ونحو ذلك. ربما حالفك الحظ يومًا وكنت أحد أعضاء نادي قراءة ما، وإن لم تعش التجربة لأي سبب يمكنك عيشها الآن مع توافر أندية القراءة الإلكترونية التي تزايد وجودها على الساحة خصوصا بعد جائحة كورونا، ومع توقف جميع الأنشطة الحضورية، تم تحويل نشاط بعض أندية القراءة ليكون "عن بعد"، بحيث يتسنّى لهم مواصلة قراءاتهم ومناقشاتهم، كما أن عددًا لا بأس به من الناس ربما يكون مارس القراءة لأول مرة أثناء الجائحة، حيث وجد نفسه مضطرا للانكفاء على ذاته، ولا توجد حياة اجتماعية تملأ وقته، فكان من حسنات هذا الوضع أن تعرّف على القراءة ومتاجر الكتب الإلكترونية، فكان تطبيق زووم هو التطبيق الأشهر بين محبي القراءة، ثم ظهر كلوب هاوس، وأخيرا مساحات تويتر الصوتية التي ساهمت بشكل كبير في انتشار القراءة وإيجاد مجتمعات قراءة متنوعة، وكل يبحث عن ما يناسبه. فظهرت مساحات تحمل فكرة الأندية التقليدية نفسها، اختيار كتاب ومناقشته سواء أسبوعيا أو شهريا، أو مساحات متخصصة لقراءة مؤلفات كاتب ما، أو مساحات للحديث عن الأدب الكلاسيكي، أو مساحات تعتمد على قراءة كتاب ما بشكل يومي أو شبه يومي، بحيث يتم الانتهاء من قراءة الكتاب بشكل جماعي ثم مناقشته سويًا. هذا التنوع ساهم في أن يجد أي شخص ضالته، وهو في بيته، يقرأ ويناقش ويستفيد ويفيد، حيث إن أكبر ثمرة لأندية القراءة، بعد التحفيز على مواصلة القراءة، هي هذه النقاشات الجماعية، حيث تجعلك تنظر للموضوع من عدة زوايا مختلفة، وتستمتع لوجهات نظر متنوعة لم تخطر على ذهنك. فالنادي يضم عقولا مثقفة متنوعة، وكل منها يحمل اطلاعًا مختلفًا مما يضمن لك الحصول على فوائد عدة ربما تكون أكثر مما احتواه الكتاب. كما أن مساحات تويتر الصوتية صارت تجتذب النخب، فقد تجد صاحب الكتاب حاضرًا معكم في هذه المناقشة، وغيره من الكتّاب، وكذلك قد يحضر النقاد والمختصين بموضوع المناقشة لهذه الأندية الثقافية، فتتحقق المنفعة للطرفين، للكاتب حيث يلتقي بشكل مباشر مع القراء، والقارئ العادي يستمع لوجهة نظر صاحب العمل ويستمع للناقد، مما يساهم في تطوير آليات القراءة وأدواتها لديه.