بزغت شمس أندية القراءة مشرقة على الأوساط الشبابية؛ لتضيء ثقافاتهم، وتحفزهم على مناقشة الكتب وتحليلها ونقد المؤلف فيما يطرح، حتى أصبحت هذه الأندية منافسًا للمؤسسات الثقافية في وفرة البرامج والأنشطة وتنوعها، والاهتمام بقياس الأثر فيها.. تحدث ل»الرياض» عدد من مؤسسي أندية القراءة وأعضائها، مطالبين بمزيد من الأندية، وتفعيل دور الجمعية السعودية للقراءة، والحرص على وجود نادي قراءة في كل مكتبة عامة أو جامعية أو مدرسية؛ لتكون المرفأ الذي يجمع محبي القراءة ممن يبحثون عن بيئات مثرية ومفيدة، ودائرة معرفية اجتماعية موسعة، يستقي من أنهرها كل ظامئ إلى المعرفة أيا كان جنسه وعمره وعمله ومؤهله العلمي، وأكدوا أهميتها مع ثورة التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، التي أبعدت الكتاب عن متناول الأيدي وأبدلته به الأجهزة النقالة. "الاتصال الجمعي" ولخّص رئيس نادي وسم الثقافي طارق المالكي، دور أندية القراءة بأنها تجمع معرفي لعقول مثقفة ومتباينة؛ لأجل الحوار والنقاش حول كتابٍ ما، وبأنها وجه من وجوه الاتصال الجمعي، كما يسمى في علم الاتصال، وقال أيضًا: أعظم مزايا أندية القراءة هي القراءة الجماعية في كتاب واحد، وتبادل الآراء المختلفة حوله وتقبلها، ونقد الكتاب أو المؤلف، ومدى صحة المعلومات الواردة فيه، وإمكانية تطبيق ما فيه إن كان هناك ما يدعو إلى التطبيق، ككتاب يدعو إلى العادات الصحية مثلًا، ما يفتح آفاقًا واسعة في شخصية القارئ وعقله. وهذا غيضٌ من فيض، وصَدَفة بيضاء على ساحل أندية القراءة. وتحدث المالكي عن أهمية التصحيح اللغوي لدى القارئ، وقال: لا أعلم لماذا تغيب عن أندية القراءة إمكانية تعليم أعضائها مهارات أخرى كالكتابة، أو الخطابة، ما المانع أن يقوم عضو من الأعضاء خطيبًا ليتحدث عن محور من محاور الكتاب الذي تجري مناقشته؟ وما المانع أن يكون دورٌ في اجتماعاتها يُسمّى "المتذوق اللغوي"، يصحح في نهاية كل اجتماع ما وقع فيه المتحدثون من أخطاء لغوية؟ كثيرٌ من الأدوار المساندة غير موجودة في اجتماعات أندية القراءة، وهذا ما نتفاداه الآن في نادينا "وَسْم الثقافي"، إن شاء الله؛ إذ أضفنا كثيرًا من الأدوار مثل "قائد الاجتماع"، الذي يقود الحديث في الاجتماعات، و"ضابط الوقت"، الذي يضبط الوقت لكل مداخلة، كما أضفنا أنه يجب على كل عضو أو زائر أن يتحدث في الاجتماع ولو لدقيقة واحدة، حتى يتدرب على الوقوف والحديث أمام الغير. "جهة منظمة" وأضاف المالكي: ما أكثر المكتبات وما أقل أندية القراءة!.. أتمنى ألا تفتح أي مكتبة عامة أو مكتبة في مدرسة أو جامعة أو في لجنة من لجان تنمية الأحياء إلا بنادي قراءة. تخيل كم من المهارات ستُكتسب، وكم من السلوكيات غير الإيجابية ستتغير، وكم من الأشخاص سيتطورون؛ لأن القراءة وما يتبعها من مهارات مؤثرة للغاية إذا أحبها الفرد، فسيكون نادي القراءة حينها ركيزة من ركائز التنمية الثقافية في وطننا. وأبدى رفضه فكرة تخصصية القراءة؛ حيث قال: حسب علمي، لا توجد أندية تخصصية في حقل معين من حقول المعرفة، كأن تكون أندية لقراءة كتب الصحة العامة للأطباء وحسب، أو أندية لقراءة كتب الإدارة والقيادة للقادة وحسب. هذه المرحلة لم نصل إليها، وأرجو ألا نصل إليها؛ لأنني أود أن تكون القراءة، كالهواء والماء، ملكًا للجميع، ويستقي من أنهرها كل ظامئ إلى المعرفة أيا كان جنسه وعمره وعمله ومؤهله العلمي. واستطرد مندهشا: لا أعلم أين الجمعية السعودية للقراءة، وأين فعاليتها، وما هو دورها، ولماذا لا تكون نشطة على غرار شقيقاتها من الجمعيات مثل الجمعية السعودية للإدارة، أو الجمعية السعودية لطب الأسنان. وأرجو منها أن تجمع تحت لوائها كل أندية القراءة في المملكة، وأن تكون الجهة المنظمة التي تضع اللوائح، وأن تُجرِيَ مسابقات سنوية بين أعضائها، كمسابقة القراءة السريعة، ومن يستطيع أن يقرأ أكبر عدد ممكن من الكلمات في الدقيقة الواحدة مع الفهم والاستيعاب، أو مسابقة أجمل خريطة ذهنية لكتابٍ ما. "نساء قارئات" وعرّفت مؤسسة نادي كنز للقراءة إيمان الخطاف مبادرتها للقراءة، التي سمتها نادي كنز بقولها: هو ناد للسيدات المهتمات بالقراءة ومراجعة الكتب في المنطقة الشرقية، ويضم لقاءات شهرية تجمع منتسبات النادي. وذكرت الأهداف التي تصبو إلى تحقيقها من خلال تأسيس نادي كنز للقراءة، وهي تشجيع السيدات على القراءة المنتظمة، وتكريس هذه العادة في المجتمع، ونشر ثقافة الحوار الهادف، والتفكير النقدي، الخطاف: المرأة وسيلة لقراءة الأسرة والشغف بالمعرفة والاطلاع، وتعزيز قيمة المكتبة والكتب، باعتبارهما كنزا ثمينا، وكذلك يهدف النادي إلى تنمية الحراك الثقافي، وتكريس القراءة كأسلوب حياة في المجتمع، وتعزيز الأدب والثقافة والفنون. وعن الطريقة التي تنتهجها أندية القراءة قالت: إن آلية عمل معظم أندية القراءة تقوم على تخصيص كتاب (للشهر أو الأسبوع)، بحيث تتم قراءته جماعيا، ومن ثم مناقشته أو تلخيصه أو الاجتماع حوله؛ لمعرفة نقاط قوة وضعف الكتاب المختار، والأجمل أن مثل هذه التجمعات من شأنها نشر ثقافة القراءة، وكذلك تعزيز الحوار الهادف والفكر الناقد بين منتسبي النادي، الأمر الذي يجعل الفرد الواحد يسمع عشرات الآراء حول كتاب معين، وكأنه قرأ الكتاب ذاته أكثر من مرة، يسبق اختيار كل كتاب سماع رأي منتسبات النادي، وأحيانا عمل تصويت لاختيار كتاب الشهر، فمن المهم أن يكون الكتاب مُتفقا عليه في رأي الأغلبية. وهنا تبرز أهمية التوافق بين الكتب المختارة وذائقة منتسبي نادي القراءة. وعادة ما نختار الكتب الأعلى إقبالا، التي أحدثت الجدل العالمي وحظيت بقبول النقاد، ما بين الكتب العربية والمترجمة. فشهر نقرأ رواية، وفي الشهر التالي كتابا فلسفيا، ثم كتابا في علم النفس، تليه رواية وهكذا. مع ضرورة أن يكون الكتاب ذا قيمة معرفية، وبعيدا عن ثالوث الدين والسياسة والجنس؛ لضمان نقاش ثري ومفيد من دون أي مهاترات أو تشتت. وأضافت: لكل ناد رسالة ورؤية يركز عليها في عمله، وحين أسست نادي كنز للقراءة، وضعت طموحي "نساء قارئات"، بحيث يكون للنادي دور وإسهام في خلق مجتمع مهتم بالثقافة والأدب، مع الأخذ في الحسبان أن المرأة هي الكائن الأساس في الأسرة، فحين تقرأ المرأة فهذا يعني أن الأسرة كلها قرأت وتأثرت وتطورت معرفيا وأدبيا. "ظاهرة صحية" وعن بدايات ظهور أندية القراءة ومراحلها، قال المدير التنفيذي لنادي كتابي للقراءة محمد الشثري، إن أندية القراءة لم تكن في السابق بهذا المسمى، بل كانت صالونات ثقافية، أو ديوانيات، ولكن مع السوشل ميديا وابتعاد الناس عن القراءة في السنوات العشر الماضية بدأت تخرج هذه المبادرات التي تعيد الأمة إلى الأمر الأول (اقرأ). وقال أيضًا: تهدف أندية القراءة إلى زيادة وعي المجتمع بالجانب الثقافي، وهذا الجانب يؤثر في المجتمع كثيراً؛ لأنه جانب سلوكي، وهناك مبادرات تخصصية، وجمهورها مريدون لهذا التخصص، وفي نادي كتابي جمهورنا كبير، وله اهتمامات كثيرة ومتنوعة، لذلك الطرح لدينا متنوع، وتمنى الشثري انتشار أندية القراءة لتحفّز على القراءة التي تسهم في رفع الوعي كظاهرة صحية، ولا نريد منهم أن يتوقفوا، فهم في حاجة إلى دعم، وإعطائهم الفرصة والمساحة لكي يبدعوا. "مرفأ القراء" وشبّهت رئيسة نادي الوعي للقراءة سارة السبيعي، أندية القراءة بالمرفأ الذي يجمع محبي القراءة ممن يبحثون عن بيئات مثرية ومفيدة، ودائرة معرفية اجتماعية موسعة، تجمعهم مناقشات دورية، تختلف بحسب اختلاف ميول النادي. وعددت بعض الأهداف لأندية القراءة، التي منها مناقشات الكتب العامة، والتصدي لحاجز الملل المصاحب للقراءة الفردية لأغراض بحثية، وللمتعة، وللتحفيز، وللتدارس. السبيعي: نفتقد بيئة محفزة للمعرفة وذكرت أن أندية القراءة لا تقتصر على القراءة فقط، وإنما تحتوي على برامج مصاحبة مثل "أمسيات ثقافية، أمسيات شعرية، دورات تدريبية، ركن تبادل الكتب، حفل توقيع للكتاب مع استضافة للكاتب، مناقشة أفلام، التطرق لمجال التأليف، إنشاء دور نشر مصغرة بنتاج أعضاء النادي، نشاط رياضي، سفر، زيارة متاحف، وتطمح أغلب أندية القراءة إلى توسيع دائرة الوعي لأهمية القراءة للفرد، ومدى تأثير الفرد القارئ في مجتمعه، وجعل الكتاب نموذجاً حياتياً مرافقاً ومصاحباً لمالكه بكل مكان، وكذلك نشر الثقافة بصور مختلفة وجديدة. وقالت أيضًا: تختلف أندية القراءة باختلاف تخصصات الكتب المطروحة في الأندية، فهي تعتمد على المستوى المعرفي للأعضاء واهتماماتهم، وللقراءة النقدية دورها الذي يهدف إلى معرفة الثغرات في الكتاب الذي تقرأه لبناء رأي نقدي فيها، ويركز على النقد الأدبي، فقراءة النص بصفة قارئاً متذوقاً للأدب ومدرباً على هذا التذوق، وعادة ما يصطحب هذه القراءة بانطباعات مختلفة، فقد يخرج بشعور المتعة الكاملة، أو بشعور أن شيئاً ما خطأ أو لم يكتمل يحول دون شعور المتعة. فمثلا نادي الوعي للقراءة في المنطقة الشرقية كان التركيز على خلق بيئة واعية ومحفزة ولديها رغبة في المعرفة والتغير المستمر، مع الحرص على وجود التنوع بالعمر الزمني. الشثري: "الميديا" أبعدت الكتاب المالكي: جمعية القراءة بلا دور