للمكتبات مع أصحابها قصصٌ ومواقف وأيضًا طرائف وأشجان تستحق أن تروى، "الرياض" تزور مكتبات مجموعة من المثقفين، تستحث ذاكرة البدايات، وتتبع شغف جمع أثمن الممتلكات، ومراحل تكوين المكتبات. في هذا الحوار الكُتبي نستضيف الشاعرة والكاتبة جميلة الزحيفي، رئيس نادي الأمل توستماسترز، للحديث حول مكتبتها المتنوعة التي تحدثت عنها: "مكتبتي بستان العلوم الذي أجد فيه الراحة والمتعة، أسافر فيها عبر الأزمان، وأقطف منها أطايب الثمار، في مكتبتي أجد الراحة بعد التعب، والسعادة عند الضجر، أبحر فيها مع كل العلوم، أساليب متنوعة، ومجالات متعددة، عَبَر وحِكَم، علم ومواقف، فيها ظلال العلوم الوارفة، وحينا أجول بين الشِّعر والنثر والعاطفة، أقضي بها أجمل الأوقات، ولا أشعر بمرور الساعات، فلا تعجبوا إن أطلقتُ عليها (جنة الدنيا)". صلتي بالكتاب الورقي متينة في أيِّ مرحلة من العمر تعرَّفتِ على الكتاب؟ * قبل المرحلة الابتدائية كان والدي -رحمه الله- يحرص على تعليمنا القراءة بطريقة صحيحة وبدون أي لحن، فبدأ يحثنا على قراءة القرآن الكريم -بعد تعليمنا الحروف وأساسيات اللغة- بل كان يفتح لنا طوال السور ويقول اقرؤوا.. وإن أخطأنا في حركة واحدة يخرج صوت «هم.. ممم» أي انتبهوا فقد أخطأتم، ونحاول مرة وأخرى حتى نقرأ الكلمة بدون مساعدة منه. وبعدها كان يختار لنا من أمهات الكتب لنقرأها، وبدأ معنا بكتاب «البداية والنهاية ج 1»، فأصبح الكتاب رفيقناً في كل يوم، إذ لا يمر يوم واحد إلا ونقرأ صفحة، حتى أثّر ذلك على مستوانا الدراسي، لأنني أذكر أني لا ألتزم بقراءة الدرس المقرر علي فقط، بل أنتقل لقراءة الدروس التي لم نأخذها بعد، وأختم قراءة المنهج من الأسابيع الأولى من المدرسة. وربما كان نهم القراءة التي تربينا عليها سبباً -بعد الله- في تفوقنا الدراسي. هل تستطيعين تحديد بعض بدايات تأسيس مكتبتكِ المنزليَّة؟ * في منزل عائلتي كان لديّ مكتبة صغيرة تحتوي على كتب التأريخ؛ لأن أبي -رحمه الله- كان يعشق التأريخ كثيراً، كانت مكتبة صغيرة لا يتجاوز طولها متر في مترين، والحمد لله رُزقت بزوج يعشق القراءة فأسسنا مكتبتنا المنزلية معاً، هو يعشق كتب الفقه والحديث والعقيدة، وأنا كتب النحو والأدب والتأريخ، كانت مكتبتنا في أول زواجي تأخذ جزءاً من غرفة الضيوف أما الآن فقد خصصنا غرفة خاصة لها، وتعددت الكتب وكثرت والحمد لله. ماذا عن معارض الكُتب، ودورها في إثراء مكتبتك؟ * معارض الكتاب لها دور بارز في اقتناء الكتب التي لا أجدها في منطقة الجوف، خاصة قبل ظهور خدمة شراء الكتب عن طريق مواقع المكتبات، وما يميز معرض الكتاب أن أمامك العديد من الكتب في مختلف المجالات وستتصفح ما تريد شراءه وتعلم أي كنز يحتويه ذلك الكتاب، لذلك نحن نترقب معرض الكتاب بشغف. ما أبرز المنعطفات التي رافقت نموَّ مكتبتكِ الشَّخصيَّة؟ * ذهبت إلى زيارة مكتبة صديقتي وكان والدها لديه مكتبة تحتوي على أمهات الكتب ومرتبة بشكل جميل وتنسيق رائع يسهل على القارئ أو الباحث أن يجد ضالته من الكتب التي يحتاجها، المشاعر تداخلت حينها بين الانبهار والغبطة، فقررت أن تكون لي مكتبة تشبه هذه المكتبة والتي أطلقت عليها «جنة الدنيا». حدثينا عن أوائل الكُتب التي دخلت مكتبتك؟ * مجموعة من الكتب منها: البداية والنهاية، شرح ألفية ابن مالك، أدب الدنيا والدين، صحيح البخاري، زاد المعاد. هل تحتفظين في مكتبتكِ بمخطوطات؟ * لا، وهي أمنية أتمنى أن تتحقق. ماذا عن نصيب الكُتب القديمة والنَّادرة؟ * هناك كتب معدودة أعتبرها قديمة ونادرة، وأتمنى أن تتزين مكتبتي بالعديد من الكتب النادرة. هل لديكِ شيءٌ من الصُّحف والمجلات القديمة أو شبه القديمة؟ * نعم، مجلة الشباب، ومجلة الأسرة. هل يوجد في مكتبتكِ كُتب مُهداة بتوقيع مؤلفيها؟ * نعم، هناك ديوان «حواس» للأستاذ ياسر الدوسري. ما أطرف المواقف التي حصلت لكِ في البحث عن الكُتب؟ * كنت أبحث عن كتب «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب» وعندما لم أجده في أكثر من مكتبة بكيت؛ لأنني أبحث عنه منذ زمن وخرجت وأنا أبكي، فما كان من طفلة صغيرة رأتني إلا أن قالت: خذي هذه الألوان ولوّني بها أنا بكيت عندما لم أجد الألوان التي أحبها. ما أطرف العناوين الموجودة في مكتبتك؟ * كتاب: «قصائد ضاحكة»، فيه من القصائد المضحكة جداً من أبيات الشاعر صاحب الكتاب أ. ناصر الزهراني، خاصة قصيدته التي تحدث بها عن الرجل الذي نصحوه أصدقاءه بالتعدد واصفاً بقصيدته ما حدث له بعد التعدد، وكذلك قصيدة عارض فيها قصيدة امرئ القيس «مكرٍّ مفرٍّ.....» وذكر بها أنواع عديدة من المأكولات. بما أنكِ مُهتمة بالكُتب ولديكِ مكتبة خاصة.. ما أبرز الكُتب التي تحرصين على قراءتها؟ * كتب عديدة منها: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، سير أعلام النبلاء، الكامل للمبرّد. هل ساعدتكِ المكتبة الخاصة بكم على التأليف؟ * نعم، حيث إن القراءة تنمي المعرفة والثقافة خاصة كتب الأدب والشعر، وكما قيل: من أحب الشعر فهو شاعر، ومن قرأ الشعر فهو شاعر، ومن حفظ الشعر فهو شاعر، ومن كتب شعرا فهو شاعر، فالقراءة تجعل لدى القارئ قاموساً من الكلمات الجميلة، كما تجعل لديه القدرة على التعبير، والكتابة بأسلوب جميل ومتميز، ولمَ لا وقد استقى من ينابيع متعددة، وتنقل بين أفياء بديعة، وقطف من كل دوحة باقة من البلاغة والبيان. كم بلغ عدد مؤلفاتك حتى الآن؟ ومتى صدر لك أول كتاب؟ وما هو؟ o إلى الآن كتاب واحد وهو ديوان: «شدا القوافي» وقد صدر قبل شهر تقريباً، وقد كان لجريدة «الرياض» السبق في العرض المميز لديواني، ومن هذا المنبر أشكر جهودكم أ. بكر هذال في ذلك، وأنا الآن على وشك الانتهاء من الكتاب الثاني بإذن الله. هل طرافة الكتاب أو طرافة موضوعه من معايير انتقائه؟ * نعم، من أهم المعايير من وجهة نظري في انتقاء الكتاب هو طرافة موضوعاته، فقد يحمل العنوان اسماً جاذباً وغريباً يشد انتباه القارئ لعنوانه وإذا تصفح به لم «يجده شيئاً»، لذلك لا بد من الاطلاع على موضوعات الكتاب قبل انتقائه. ماذا تُفضلين.. المكتبة الورقية أو الرقمية؟ وما السبب؟ الكتب الورقية، للكتاب الورقي عبق خاص، فعندما تلامس اليدان أوراق الكتاب متصفحة ومنتقية لبعض الكلمات، أكتب على كل صفحة ملاحظاتي، وما أعجبني، بل أكتب في أول صفحة أفضل العبارات التي أعجبتني وأرقام الصفحات حتى أعود إليها، أشعر أن هناك صلة قريبة بيني وبين الكتاب الورقي بل أشعر بالفخر ويدي تتصفح هذا الكنز الذي بين يدي. هل مكتبتك متخصصة أم متنوّعة؟ * مكتبتي متنوعة، تحتوي على كتب دينية، تأريخية، أدبية ثقافية تعليمية مجلات، روايات. هل تقتنين الكتاب من خلال توصيات، أو بانتقاء شخصي؟ * بانتقاء شخصي. حدثينا عن مشاركاتك الثقافية؟ * شاركت في أمسيات شِعرية كثيرة في: «الجوف، تبوك، القريات، مكة، القصيم، الباحة، الإمارات، سلطنة عُمان، باكستان، البحرين، كما كان لي مشاركات في قناة الرسالة وإذاعة الرياض، وقدمت مبادرات في التدريب على الإلقاء والخطابة، كذلك كنت مديرة جلسة لأكثر من مؤتمر في الشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية. ما القراءة بنظرك؟ * القراءة حياة ومتعة وعلم وسفر بين العقول وخلاصة تجربة وثقافة، بل هي الراحة بعد التعب، والسعادة عند الغضب. ما رسالتُكِ التي توجِّهينها لكلِّ من يملك مكتبة خاصَّة؟ * قراءة الكتاب أول مرة يُعتبر إبحاراً واستكشافاً، أما القراءة للمرة الثانية فهو استخراج للكنوز والغوص إلى الأعماق، حافظوا على الكنوز التي جمعتموها وتعاهدوها دوما بالقراءة، عددوا المجالات ولا تحبسوا أنفسكم في مجال واحد، فالعلم واسع والأفكار عديدة. كلمة أخيرة.. * أولاً أتوجه بالشكر الجزيل لجريدة «الرياض» ممثلاً في القسم الثقافي وللأستاذ بكر هذال على منحي هذه الفرصة للحديث عن تجربتي مع الكتب في أفياء مكتبتي المتواضعة، وأقول للجميع اقرأوا كل يوم لو سطراً.. فالقراءة طريق للعلم، والثقافة، والحوار، والإبداع في كل الفنون.