تُعد الثروة الحيوانية أحد أهم الموارد الاقتصادية التي تعتمد عليها الشعوب، وهي تشمل مصادر اللحوم البيضاء، مثل: الأسماك والدواجن، ومصادر اللحوم الحمراء وهي الماشية بجميع أنواعها، وفي بلادنا ومنذ القدم كان الاهتمام بالثروة الحيوانية أحد الأساسيات التي يسعى إليها كل بيت من بيوت الماضي القريب، حيث كانت كل أسرة تخصص مكاناً لتربية الحيوانات كالماعز والضأن وربما البقر، وذلك من أجل أن تكتفي من الحليب واللبن ومشتقاته من الزبدة والأقط والسمن، والبعض الآخر يسعى إلى تربية الدواجن من أجل الاستفادة من البيض واللحم، فكان في جل البيوت مكاناً مخصصاً للحيوانات والطيور التي كانت تشاطر سكان البيوت السكنى، وكانت الطريقة المتبعة في تعليف تلك الحيوانات وخصوصاً من الماعز والضأن بأن يقوم أصحاب تلك البيوت بتسريحها صباحاً مع "الشاوي" وهو متعهد رعي أغنام القرية، والذي يقوم برعي أغنام القرية يومياً بدون كلل أو ملل، والتي تعد بالعشرات، بأجر زهيد معلوم في نهاية كل شهر، إذ يكفيهم عناء إطعام ماشيتهم ليتفرغوا لأعمالهم اليومية، ولا يتبقى عليهم سوى حلبها والانتفاع بألبانها ولحومها عند الحاجة، حيث يذهب بالأغنام إلى إحدى المراعي القريبة من البلد ويستمر بالتنقل بها إلى ما قبل غروب الشمس، حيث يعود أدراجه فيكون الصغار عادة في انتظاره، فيكفون أهاليهم مهمة إحضار الماشية إلى بيوتهم، مما يعطى هؤلاء الصغار التدريب الكافي على تحمل المسؤولية والمشاركة الفعلية في أعباء الحياة اليومية، كما كان الغالبية يخصص غرفة في المنزل لتخزين الأعلاف لسد حاجة الماشية عند وجود عارض يستدعي بقاء الأغنام في المنزل وعدم ذهابها مع الشاوي في مواسم الأمطار الغزيرة أو التقلبات الجوية كالرياح الشديدة الباردة أو العواصف المثيرة للأتربة والغبار، فيقومون خلال فصل الربيع بجمع الحشائش من الرياض القريبة وأشهرها الروض، فيتم تخزينه لإطعام الماشية في تلك الظروف، أو في فصل الصيف الحارق الذي يقل فيه العشب أو ينقطع. دعم سخي ومع تحسن الحالة الاقتصادية للبلاد، وانتقال الناس إلى منازل جديدة -الفلل-، تم الاستغناء عن حظائر الحيوانات في المنازل، وتم الاقتصار على تربية المواشي في المزارع وفي أطراف القرى بوضع حظائر للمواشي بعيدة عن المساكن وتزويدها بالمياه والأعلاف، واستبدل تربية الماشية في البيوت التي كان يستفاد من ألبانها ولحومها والطيور الداجنة التي يستفاد من بيضها ولحومها بتربية حيوانات أليفة للزينة والتسلية كالقطط وطيور الزينة التي تكبد مربيها أموالاً طائلة للاهتمام بها وتغذيتها والعناية بها، كشراء الأطعمة الخاصة والعلاجات الدورية التي تستلزم زيارة عيادات البيطرة لتطعيمها وتنظيفها، وفي مواجهة النمو السكاني المتزايد ظهرت الحاجة إلى مضاعفة الإنتاج، فقامت العديد من المشروعات لتربية الأغنام، وذلك بدعم من صندوق التنمية الزراعية حيث يتلقى مربو الماشية الدعم والتشجيع، كما قامت العديد من مشروعات إنتاج الألبان التي وفرت الاكتفاء الذاتي من الحليب ومشتقاته وتعدى ذلك إلى التصدير إلى الدول المجاورة، وكذلك الحال لإنتاج الدجاج اللاحم والبياض، حيث تم إقامة العديد من المشروعات بدعم سخي من الدولة بقروض ميسرة ساهمت في مواجهة النمو والطلب المتزايد. أمان غذائي وتشكّل الثروة الحيوانية والثروة الزراعية حصن الأمان الغذائي لكل دولة، والتي تزيد أهميتها كلما زاد إسهامها في تغطية الطلب المحلي على الغذاء، وأيضًا في تكوين هيكل للصادرات في الخارج في حالة وجود فائض للتصدير، وتُعتبر الثروة الحيوانية واحدةً من أهم الدعائم الاقتصادية الزراعية في البلدان وخصوصاً النامية، حيث تكتسب أهميتها كونها تستخدم بهدف إنتاج الحليب واللحوم والبيض والصوف، كما يتم تربية المواشي بهدف تشجيع الناس على الزراعة، حيث يُستخدم روث الحيوانات كسماد للتربة، ما يؤدي ذلك إلى زيادة خصوبة التربة، ولا تقتصر أهمّيتها الغذائية على ما تُقدّمه للإنسان من غذاء، بل تُساهم في إنتاج الألياف، والأسمدة، والوقود، والجلود، كما تضمن لكثير من المزارعين محدوديّ الموارد والذين يمتلكون الحيوانات البقاء على درجة من الاستقرار الاقتصادي، كما تساهم الثروة الحيوانية بشكل كبير في بناء الصرح الصناعي للدول، فهي أحد المدخلات الأساسية للصناعات الغذائية بمختلف أنواعها كصناعة الألبان ومشتقاتها، وصناعة الجلود، وكذلك صناعة العلف للحيوانات. تزايد ملحوظ وأدت الزيادة في استهلاك اللحوم وخاصةً من الدواجن في بلادنا الغالية إلى التفكير في تغطية الطلب المتزايد عليها يوماً بعد يوم، وذلك بتقديم الدعم والعون لمربي تلك الحيوانات اللاحمة، حيث تشهد المملكة تزايدًا ملحوظًا ومستمراً في حجم الإنتاج المحلي من الدواجن، نتيجة للاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في مجال تجهيزات مزارع الدواجن، مما عمل على تهيئة درجة الحرارة المناسبة داخل المزارع وإلغاء أي ظروف مناخية قد تؤثر على زيادة الإنتاج، ولكن نتيجة لزيادة الطلب بشكل سريع ومستمر ينتج عنه عدم كفاية الناتج المحلي، مما يجعل المستثمرون يلجؤون للاستيراد من دول أخرى، أمّا بالنسبة إلى الثروة الحيوانية والتي من أهم مقوماتها الإبل والغنم، فقد لاقت الكثير من العناية والتشجيع من قبل مؤسسات الدولة للتشجيع على التربية والاستثمار في مجال تربية الماشية والإبل بوجه عام من خلال تسهيلات في الأراضي وتقديم القروض، وذلك لمواجهة الأعداد المتزايدة والمستمرة على الطلب، والذي نتج عن الزيادة السكانية وزيادة عدد الوافدين من البلاد الأخرى، مما عمل على زيادة نسبة اللحوم المستهلكة بشكل كبير، وأدى إلى حدوث فجوة كبيرة أدت إلى الحاجة إلى الاستيراد من الخارج أيضاً، وبما أن الثروة الحيوانية تمثل أحد العناصر الثروة القومية في المملكة، فمن الطبيعي أن يكون التوجه العام في المملكة وجميع مؤسساتها الحكومية المعنية بالأمر التوجه إلى تنمية وزيادة هذه الثروة محاولةً تحدي الكثير من العوائق مثل الظروف المناخية المؤثرة في المراعي وطبيعة الأرض وانصراف الكثير من الأفراد والمستثمرون عن التربية، مما جعلها تسعى لتوفير القروض والأراضي وإيجاد الحلول والبدائل معتمدة على استخدام التطور التكنولوجي والتقدم في مجال البحث العلمي للتوصل إلى أفضل أساليب التنمية للتطوير من الثروة الحيوانية. رعاية وتغذية وضمن اهتمام الدولة -رعاها الله- المستمر في تنمية الثروة الحيوانية، فقد صدر نظام الثروة الحيوانية بمرسوم ملكي في عام 1424ه، ويضم هذا النظام واحد وعشرون مادة، ويهدف هذا النظام حسب المادة الثانية منه إلى: حماية الثروة الحيوانية في المملكة من الأمراض الوبائية والمعدية والأخطار الناجمة عن التلوث البيئي، وضمان الرعاية والتغذية والتربية المناسبة للثروة الحيوانية والرفق بها، وعدم تعريضها للاستغلال أو التعامل معها بشكل يترتب عليه ضرر أو خطر أو قسوة عليها، ووضع الخطط والتدابير والإجراءات اللازم اتخاذها لمكافحة أي مرض من الأمراض المعدية أو الوبائية التي قد تصيب الثروة الحيوانية والأمراض المشتركة بينها وبين الإنسان، أو غير ذلك من الأخطار الأخرى، وسلامة المنتجات الحيوانية المحلية والتأكد من صلاحيتها، وبحسب المادة الثالثة من هذا النظام فإن وزارة البيئة والمياه والزراعة تتولى مسؤولية الإشراف العام على رعاية الثروة الحيوانية وصحتها، والعمل على حمايتها من جميع الأمراض والأوبئة والأخطار الأخرى، ووضع الخطط والبرامج، وتقديم الخدمات البيطرية الوقائية والعلاجية والإرشادية اللازمة لتحقيق ذلك، بالتعاون مع الجهات الأخرى ذات العلاقة. سوق محلي وضمن اهتمام رؤية المملكة 2030 في تنمية الثروة الحيوانية، فقد تم تنفيذ العديد من البرامج للعناية بذلك، ومن ضمن هذه البرامج برنامج دعم صغار مربي الماشية، وهو أحد برامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة، تحت مظلة برنامج الإعانات الزراعية في نسخته الجديدة ليتوافق مع تطلعات رؤية المملكة 2030، حيث يهدف لتعظيم الاستفادة من دعم الغذاء من خلال توجيه الدعم لمستحقيه، كما يقوم صندوق التنمية الزراعية بدعم الأنشطة التي يتم خلالها تربية الماشية بأنواعها وبما لا يقل عن 50 رأس، ولا يزيد على 500 رأس، وتعد من الأنشطة الزراعية التي تدعم السوق المحلي، وتقوم فكرة تمويل النشاط على التمويل المباشر ضمن الخدمات الائتمانية قصيرة الأجل للقروض التنموية التشغيلية بمنح قروض تتمثل في التكاليف التشغيلية لتربية الماشية للعملاء المتقدمين من صغار مربي الماشية (50-500 رأس من الماشية) المسجلين لدى وزارة البيئة والمياه والزراعة، ويقدم التمويل على شكل دفعتين يتم سدادها على أقساط شهرية بمدة لا تتجاوز أربع سنوات مع فترة سماح سنة، وقد تم إعداد شروط للحصول على ذلك ومنها: أن يكون مسجل لدى وزارة البيئة والمياه والزراعة، وألاّ يكون المتقدم موظفاً في القطاعين العام والخاص، وألاّ يقل عمر المتقدم عن 21 عاماً، وأن يقتصر التمويل على صغار المربين (50-500 راس من الماشية)، وحضور ورشة تعريفية في مجال تربية الماشية للمتقدم، كما أطلقت وزارة البيئة والمياه والزراعة مؤخراً مشروع تقديم خدمات تأهيل المستفيدين في قطاع الثروة الحيوانية -الأغنام- في جميع مناطق المملكة، وهذا المشروع يستهدف تأهيل وتدريب الكوادر البشرية ورفع كفاءة مربيّ الأغنام من الجنسين في مختلف مناطق المملكة، بما يتوافق مع تطلعات رؤية المملكة 2030 التي ركّزت على تأهيل العنصر البشري الذي هو أساس بناء الاقتصاد الوطني. مزارع الدواجن أنتجت أعداداً كبيرة من اللحوم والبيض برامج دعم الدولة حققت هوامش أرباح للسوق المحلي