الثقافة من أهم مرايا التقدم الحضاري للمُجتمعات الإنسانيَّة، لا يرتقي مُجتمعٌ إلا بها ولا تحترمه المُجتمعات الأُخرى إلا بعلو شأنها فيه، ولا تزدهر تلك الثقافة إلا في البيئات التي تحترم المُبدع والمُثقف وتُحيطهما بالرعاية والتقدير؛ ما يُشجعهما على المزيد من العطاء والتألُّق في هذا المجال الذي يُعتبر شريانًا حساسًا لاستمرارية نبض حياة الأُمم في مُختلف بقاع الأرض، وهو ما بدأنا نلحَظ تصاعُده في المملكة خِلال الآونة الأخيرة على أكثر من صعيد يبعث على التفاؤل والأمل بمستقبلٍ أكثر ازدهارًا، ولعل من أبرز المُبادرات الأخيرة لوزارة الثقافة بهذا الشأن مُبادرة «حياتُنا ثقافة» التي أطلقت من خلالها باقة من الأنشطة الثقافية تضمنت الأدب، والموسيقى، والفنون البصرية، والفنون الأدائية، والأفلام، والتراث، والطهي، وغيرها من المجالات الإبداعية في 12 مدينة من مدن المملكة، وهي: الرياض، مكةالمكرمة، المدينةالمنورة، القصيم، جدة، الطائف، الدمام، الأحساء، الخبر، تبوك، حائل وأبها. لقد تشرفتُ بأن أكون من بين الأسماء التي استضافتها أنشِطة المُبادرة التي ستستمر حتى نهاية العام الجاري باستضافة باقاتٍ من المُبدعين والمثقفين للتحدث عن تجاربهم الأدبية والإبداعيَّة دون تعقيداتٍ أو قيود ما يجعلني أتحدث من موقع «المُجرِّب» لا موقع «السامِع»، ولا يسعني إلا الشعور بالامتنان تجاه تلك التجربة التي رأيتُ فيها سعيًا جادًا للبحث عن المُثقف والمُبدِع وإن كان مغمورًا، واهتمامًا بنُتاجه كثيرًا كان أم قليلاً، ورُقيًا في التعامُل، ومُراعاة للمشاعِر، وعونًا في تعريف الناس بوجوده، وانحيازًا للموهبة بصرف النظر عن أي اعتباراتٍ شخصية أُخرى، ولم يُكتف بالأسماء الكبيرة المعروفة التي تُعتبر من قدامى نجوم هذا المجال؛ بل رأينا سعيًا حثيثًا لإتاحة الفرصة في هذا الفضاء لصعود نجوم جُدد، وهو ما لطالما كُنا نتمناه. إن مثل هذه النشاطات التي تسعى للبحث عن المُبدع أو المُثقف وتشجيعه وتقديره توقد الأمل في وجدان هذا الإنسان، وتُعزز شعوره بالانتماء لوطنه الذي اهتم برعاية شغفه، وتجعل فخره يتزايد بالأرض التي اختارت أن تكون سبَّاقة في احتضان موهبته، إضافة إلى توعية المُجتمع والارتقاء بذائقته وتعريفه بقيمة الثقافة وأهميتها في بناء وجدانه.