مما يعرف عن الرأسمالية في صورها الأكثر نقاء وكما يصفها المخلصون لها إخلاصاً تاماً، أنها نظام يعيش على الحرية. ومع الحرية التي تتنفسها الرأسمالية انكشفت لنا وحشيتها في أكثر من مناسبة، فقد كشفت لنا عن أوجه عديدة أفزعت العالم بأزمات اقتصادية دفعت الحكومات إلى التدخل حداً من حرية النظام شبه المطلقة، كان من أبرزها الكساد العالمي في أوائل القرن العشرين، مع كل الأزمات التي نعرفها، لا نعرف كثيراً عن توحش الرأسمالية ضد الابتكار الذي يعد من مفاخرها. ما نراه اليوم من سباق محموم بين الشركات الكبرى التي تتنافس على السيطرة على التجارة الإلكترونية، مثال لتوحش الرأسمالية ولو على حساب الابتكار، المثال الأبرز اليوم هو الذكاء الاصطناعي الذي بدأ يؤثر في خريطة المنافسة، بعد إعلان شركة الذكاء الاصطناعي المفتوح عن تطبيق (جي بي تي) وما احتواه من قدرات كبيرة لم تكن متوقعة، أصبح السؤال منصباً على موقف الشركات الكبرى من هذا التطبيق، وبالذات شركة غوغل. الحقيقة التي تبدو واضحة اليوم أن التقنية التي يقوم عليها تطبيق (جي بي تي) موجودة لدى غوغل منذ فترة، بل هي من أبرز المساهمين في تطويرها، لكن المشكلة التي تعاني منها غوغل أن التقنية الجديدة بتطبيقاتها الحالية تتعارض مع نموذج عملها مما يضعها في موقف صعب، فرغم امتلاك غوغل للتقنية إلا أنها ترددت وما زالت مترددة في استخدامها. تردد غوغل في استخدام تقنيات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي الفائق، يكشف لنا عن إمكانية تأجيل بعض الابتكارات لتعارضها مع نموذج عمل الشركة التي تمتلكها أو للمحاذير التي تحيط بها عند تطبيقه من آثار محتملة على سمعة الشركة، فإن كان ليس لدى المبادرين في شركة الذكاء الاصطناعي المفتوح ما يخسرونه، فإن غوغل ومثيلاتها من الشركات الكبيرة لديها كل ما يمكن أن تخسره، ولو أن الشركات الكبرى تدعم تنافسيتها بالاستحواذ على الابتكارات الجديدة التي تدعم نموذج عملها، لكنها بالمقابل ربما ضحت بالابتكار الذي يعارض نموذج عملها. لعل الحديث عن وادي الموت الذي يفصل معامل البحث والقطاع الخاص يتسع ليشمل مقاومة القطاع الخاص للابتكارات التي تضره أو لا تخدمه، ماذا سيكون مصير تطبيق (جي بي تي) إن لم يتوفر له التمويل اللازم، هل سنسمع به من إحدى الشركات الكبرى أم سيبقى طي الكتمان؟ تحدثت غوغل عن تملكها لتقنية الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي لكنها لم تطلقها للمحاذير التي تحيط بها، إذا كان الابتكار الذي تحتضنه الشركة يهدد ربحيتها ومستقبلها في السوق، فما المتوقع من الشركة فعله؟ لو سئل أعضاء مجلس الإدارة عن موقف الشركة من الابتكارات التي تمتلكها وتشكل تهديداً محتملاً لأعمالها، فماذا سيكون جوابهم؟ الخطأ في نهاية الأمر أن نستهين بقدرة الابتكار على التدمير. الحرية لها ثمن، والرأسمالية تعرف الثمن جيداً.