منذ عشرات السنين تخوض أرمينياوأذربيجان نزاعاً لم يحسم حول منطقة ناجورنو قرة باغ. وتم انتهاك العديد من اتفاقات وقف إطلاق النار، وأسفرت الحرب المستمرة عن مقتل الآلاف، وإصابة أعداد أكثر بكثير. كما حاول الغرب المساعدة في حسم النزاع بإرسال ملايين الدولارات من المساعدات المالية والإنسانية. ورغم هذه الجهود مازال الوضع مستمرا بدون نهاية. ويقول مارك تمنيكي، الصحفي والزميل غير المقيم بمركز "أوراسيا" التابع للمجلس الأطلسي في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأميركية إنه بدا في مطلع هذا العام الذي أوشك على الانتهاء أنه يتم إحراز تقدم. وفي يوليو الماضي التقى رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في جورجيا، حيث ناقشا خطة حول تطبيع العلاقات. وصرح المسؤولون الأرمن أنهم سوف يسحبون قواتهم من ناجورنو قرة باغ، بينما أمرت سلطات قرة باغ المقيمين في منطقة لاتشين بالرحيل. وعندها قال قادة أذربيجان إنهم سوف يستعيدون السيطرة على المنطقة. ولكن بعد ذلك، تغير كل شيء. ففي أغسطس قتل جندي أذربيجاني واثنان من جنود قرة باغ. وعلى الفور اتهمت أرمينياوأذربيجان كل منهما الأخرى بانتهاك وقف إطلاق النار الساري. وبعد وقت قصير، احتج عشرات الآلاف من السكان الأرمن على قرار حكومتهم بالتخلي عن السيطرة على ناجورنو قرة باغ لصالح أذربيجان. وتم الإعلان عن انتهاكات جديدة لوقف إطلاق النار في نوفمبر وديسمبر الجاري. وفي ضوء هذه التطورات، يبدو أن الأمور تتجه نحو الأسوأ في المنطقة. ويضيف تمنيكي أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، عندما استشعرا أن هناك تصعيداً محتملاً عرضا التوسط في محادثات سلام بين باشينيان وعلييف. ولكن علييف صرح بأنه غير مهتم بهذه المفاوضات، وأعلن أن أرمينياوفرنسا تعملان على تقويض بلاده وأن لدى فرنسا "موقفاً معادياً لأذربيجان". وربما كانت تصريحات علييف تلك ذات طابع استراتيجي. فبعد أيام من إلغاء مفاوضات السلام، تردد أن مسؤولي أذربيجان أغلقوا ممر لاتشين، وهو الممر الوحيد الذي يربط ناجورنو قرة باغ بأرمينيا، ووفقاً لتقارير أرمنية، تقطعت السبل بأكثر من 120 الف شخص ولم يعودوا قادرين على الوصول لأرمينيا لعدة ساعات بسبب هذا الإغلاق. وزعم مسؤولو أذربيجان أن أرمينيا تستغل الممر لتوصيل معدات عسكرية إلى المنطقة، وهو اتهام ينفيه المسؤولون الأرمن. ووسط التوقف في المفاوضات، يشعر الأرمن بالقلق من أن أذربيجان تحاول السيطرة على ناجورنو قرة باغ بالقوة. وكان الأرمن قد صرحوا من قبل أنهم سوف يسحبون قواتهم من المنطقة بحلول سبتمبر. كما طلبت أرمينيا أيضا من المقيمين فيها مغادرتها، لكن عشرات الآلاف من ذوي الأصول الأرمنية ما زالوا يقيمون هناك. بالإضافة إلى ذلك ما زالت محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة تنظران في الطلبات المقدمة من حكومتي أرمينياوأذربيجان. وفي ضوء التأخر في هذه الأمور المختلفة، أصبحت السلطات الأذربيجانية تشعر بنفاد الصبر. ولذلك فإنها ربما تحاول التعامل مع الأمور بنفسها. وأصبحت روسيا، التي لها قوات حفظ سلام حاليا في المنطقة مشغولة بحربها غير الضرورية في أوكرانيا. ونتيجة لتضاؤل نفوذ روسيا في المنطقة، أصبحت تركيا الوسيط الوحيد. ولكنها تواجه مشكلاتها حيث تشهد تضخما متزايدا بينما تحاول أيضا موازنة عملتها المتدهورة. ونظرا لأن دولتين من أكبر دول المنطقة مشغولتان بأمورهما الخاصة، لم يعد أمام أرمينياوأذربيجان سوى تدبير أمورهما بنفسيهما وهما تحاولان حسم مشكلاتهما. ويقول المسؤولون الأرمن الآن أن المقيمين في ناجورنو قرة باغ محرومون الآن من الغاز وغيره من الضروريات. وأعرب الاتحاد الأوروبي عن مخاوفه بالنسبة لهذا الوضع، وأوضح أنه ليس لديه وجود في المنطقة، مما يزيد من تعقيد الموقف. ومع ذلك، يحاول الاتحاد الأوروبي بنشاط التواصل مع المسؤولين الأرمن والأذريين للحد من تصعيد التطورات الأخيرة في المنطقة. وعموما، فإن حالات التصعيد الأخيرة في ناجورنو قرة باغ هي نتيجة الفرص الضائعة. فقد شهد النزاع صعودا وهبوطا طوال العام. والتقى المسؤولون الأرمن والأذريون في العديد من المناسبات، ولكن لم يتم اتخاذ ما يكفي لحسم النزاع، بل إنه تم انتهاك وقف إطلاق النار الحالي، وزاد عدد الضحايا، ويشعر المسؤولون والمواطنون الأرمن والأذريون بالاحباط بسبب النزاع الذي لا ينتهي مطلقا. ويقول تمنيكي في ختام تقريره إنه مع دخولنا عام 2023، هناك قرار بمناسبة العام الجديد يتعين على العالم اتخاذه وهو المساعدة في التوسط في النزاع وأن يقنع في نهاية الأمر أرمينياوأذربيجان بتوقيع معاهدة سلام لإنهاء الحرب. والقيام بذلك سوف ينقذ آلاف الأرواح من مواجهة المزيد من الصعوبات. لكن إذا استمر النزاع، وإذا لم يتحمل المسؤولون من الجانبين مسؤولياتهم، فإن النتيجة سوف تكون فقط زيادة خطر نزاع أكثر دموية. فقد حان الآن وقت السلام.