بوجوه شاحبة ومتعبة يخرج قرابة عشرة أشخاص ممن تبقى من أهالي أفدييفكا الأوكرانية الواقعة على خط التماس، من ملاجئهم لفترة وجيزة لتسلم طرود غذائية يوزعها متطوعون. وبالكاد يرف لهم جفن لدى سماع دوي القصف المتواصل الذي يتردد صداه في أنحاء البلدة الواقعة على مسافة 13 كيلومترًا فقط عن دونيتسك معقل التمرد الموالي لروسيا في شرق أوكرانيا. حاملين صناديق عليها أختام برنامج الغذاء العالمي، ينكفئون تدريجيا إلى ملاجئهم طلبا للأمان، حيث يقيمون من دون كهرباء أو غاز ولا ماء. تقول زفيتلانا (74 عاما): «الوضع صعب جداً. المتطوعون عرضوا علينا الإجلاء، لكن إلى أين نذهب؟ كبرنا في السن». وهي تقيم في قبو مع خمس نساء ورجلين أعمارهم مشابهة كانوا يسكنون في المبنى فوق القبو. وفي الملجأ المتواضع أغطية سميكة وأكياس للنوم قدمها متطوعون، وضعت على ثمانية أسرة. وينير مصباح ثُبّت على الجدار المكان بضوء أبيض خافت، هو المصدر الوحيد للنور. وتقول زفيتلانا مرتدية معطفا شتويا سميكا وقبعة: «جميع الأقبية متشابهة، لكن هذا قبونا. سيكون الجو بارداً الآن أينما ذهبنا». لم يبق من سكان أفدييفكا البالغ عددهم 30 ألف نسمة، أكثر من ألفي مواطن، بعد نحو عشرة أشهر على الغزو الروسي لأوكرانيا. قصف متكرر يقول رئيس الإدارة العسكرية للبلدة، فيتالي باراباش إن أفدييفكا تتعرض لقصف متكرر من القوات الموالية لروسيا. والعديد من المباني في أفدييفكا لحقت بها أضرار واسودت جدرانها وتطايرت نوافذها من جراء عصف القصف. وفي القبو الذي تقيم فيه زفيتلانا، تشتعل النار في موقد حطب في غرفة مجاورة. ويتناول ميكولا بعض الأغصان من كومة حطب لإيقاد النيران. ويسمع دوي انفجارين من مسافة. ويقول «من يدري ما يكون. يبدو أنه قصف مدفعية أو ربما هاون». ويضيف «هنا نحتفظ بالطعام، مثل البطاطس. اذا اشتد البرد ننتقل إلى هنا» مشيرا إلى الغرفة المدفّأة. وبالنسبة لزفيتلانا فإن «الأمل هو كل ما لدينا». وتقول «غالبيتنا مرضى، الجميع هنا، مصابون بأمراض قلب أو الانفلونزا، البعض أصيبوا بجروح». تقع أفدييفكا في منطقة دونباس الصناعية الأوكرانية. واستولى عليها لفترة وجيزة انفصاليون مدعومون من روسيا في ربيع 2014، قبل أن تعود لسيطرة كييف بعد أشهر. ولا تزل تشهد معارك منذ تلك الفترة. جميع المدنيين في خطر شهدت البلدة معارك ضارية خلال الأشهر القليلة الماضية عندما حاولت القوات الروسية التقدم حول أفدييفكا وبلدة باخموت القريبة. وإلى الشمال من أفدييفكا، قطعت قوات موسكو في يونيو أحد طريقي إمداد رئيسيين إلى البلدة. وتتمركز القوات الروسية أيضا إلى الشرق والجنوب، حيث تصدت مؤخرا للقوات الأوكرانية وأبعدتها. ويقول باراباش إن «قواتنا انسحبت من قرية فوديان. عبرت النهر إذ كان من المستحيل الاحتفاظ بالمواقع التي دمرت بالكامل». ويضيف أن موسكو أعادت مؤخرا نشر قوات نظامية قرب أفدييفكا «أفضل تدريبا» من القوات الانفصالية، لكن المعنويات «مرتفعة» في صفوف جنود كييف. غير أن ضابط الشرطة في أفدييفكا رسيم رستاموف يوضح أن الوضع لا يزال «صعبا جدا». وقال: «نعاني من القصف المتكرر للبلدة والمناطق المحيطة. جميع المدنيين هنا في خطر». وداخل القبو المعتم تمضي زفيتلانا وجيرانها الوقت بتزيين الجدران بصور ملونة. وتقول «لا شيء سوى جدران طوب قديمة هنا. الآن سنقوم شيئاً فشيئاً بتزين الخلفية الرمادية الباردة». وتضيف «نعرف الآن كيف نجعل القبو يبدو مثل منزل».