نعم.. الحصان الأسود من المحيط للخليج، وأبهروا العالم بفنهم وانضباطهم وروحهم داخل ملاعب كأس العالم في قطر، حولوا المستحيل إلى واقع، بعدما أسقطوا بلجيكا وإسبانيا والبرتغال، وباتوا قريبين من تحقيق إنجاز إعجازي.. لم يخطر على بال أي مواطن عربي ذات يوم. كان الوصول إلى دور ال16 في كأس العالم هو نهاية حلم كل منتخب كروي عربي، يذهب إلى العرس المونديالي، بل كان الكثيرون يعتبرون مجرد الذهاب إلى هناك إنجاز في حد ذاته، لكن المغاربة صنعوا التاريخ وجاؤوا بأسطورة أخرى لم يسبقهم قبلها أحد، وأعتقد أنه من الصعب أن يلحقهم أحد أيضاً. جاؤوا في مجموعة تضم المصنفين الثاني والثالث على العالم "بلجيكا وكرواتيا" فتصدروها عن جدارة واستحقاق، بعدما كسبوا الأولى بهدفين، وكانوا وراء اقصائها من البطولة، وتعادلوا مع الثانية، ثم انقضوا على كندا ليأتوا على رأس مجموعتهم في إنجاز غير مسبوق عربياً. تصور البعض أن مغامرتهم ستنتهي عند حدود الأندلس، وبالتحديد مع مقابلة المنتخب الإسباني، لكنها كانت البداية فتفوقوا على أحد أبطال العالم السابقين وتأهلوا من خلال ركلات الترجيح بثلاثة أهداف مقابل سجل نظيف، وتألق أشرف حكيمي وكريم زياش ويوسف النصيري، لكن حارسهم العملاق ياسين بونو كان صاحب الفرح الأكبر، وكان سر الفوز الكبير. لم يتوقف حلم الأسود عند هذا الحد، فجاءت موقعة البرتغال لتكتب تاريخاً مطرز بالذهب، حيث توهج يوسف النصيري وقفز قريبا من ثلاثة أمتار قبل أن يسجل هدف اللقاء الوحيد، ليصعد بمنتخب بلاده إلى نصف نهائي كأس العالم، ويكتب قصة أسطورية لا يمكن أن تقدر بمال، رغم أن تأهل الأسود إلى هذا الدور تعني حصولهم على 25 مليون دولار. سحر المغاربة لقلوب العرب لم يكن داخل الملعب فقط.. بل خارجه أيضاً، فهاهم النجوم الكبار المحترفون في أشهر أندية أوروبا يصعدون بعد كل مباراة إلى المدرجات للاحتفال مع أمهاتهم في مشهد يكشف طيبة والتزام هذا الشعب، وقربه من أسرته ومجتمعه، وها هو الحارس الأسطوري ياسين بونو يرفض خلال المؤتمر الصحفي لمباراة البرتغال الحديث بأي لغة أخرى غير العربية، اعتزازاً بهويته، وانتماءً إلى لغة القرآن الكريم. تحية من القلب للمغرب شعباً وملكا، تحية إلى أسود الأطلس الذين أبهجونا.. وسحرونا "ليس بما يظن البعض بسوء" لكن بفنهم وإخلاصهم ووفائهم والتزامهم، وكانوا الابتسامة الصافية لكل إنسان عربي على مدار الأيام الماضية، وتحية كبيرة لجمهورهم الرائع الذي استحق كل هذه الفرحة.