تُعد شراكتنا مع الصين من أفضل وأميّز الأمثلة على الشراكة الاستراتيجية التي تطورت مع مرور الزمن، حيث جاوزت 77 عاماً، بدءًا من توقيع أول معاهدة صداقة بين البلدين في العام 1946م في مدينة جدة، وفي العام 1990م، بدأت العلاقات السياسية تعمل بشكل فاعل، من خلال توقيع اتفاقية تفاهم وتأسيس شراكة سياسية لتحقيق أمن واستقرار البلدين، واصلت العلاقة بين البلدين الصديقين تطورها الملحوظ، مما أوجب تنظيمه بإيجاد لجنة مشتركة برئاسة وزيري الخارجية في البلدين في عام 2006م، ثم استمرت العلاقة وتنظيمها باللجنة المشتركة، حتى أصبحت المصالح بين البلدين تتنوع وتتجذر في أكثر من قطاع ومجال، وخلال شهر أغسطس من عام 2016م، قام سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله – بزيارة تاريخية إلى الصين، نتج عنها رفع مستوى العلاقة واللجنة لتكون لجنة «سعودية صينية رفيعة المستوى» شاملة عدّة قطاعات، برئاسة سموه من الجانب السعودي، وخلال زيارة فخامة الرئيس الصيني للمملكة في شهر ديسمبر هذا العام، تم توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة بين البلدين الصديقين. السعودية لديها رؤية واضحة ومُستنيرة، وكذلك الصين، السعودية دولة محورية في منطقة الشرق الأوسط، ومصدر الطاقة الموثوق عالمياً، والصين لا تنافس الدول المتقدمة والتكتلات الاقتصادية والسياسية فقط، بل كبرى المنظمات الدولية، لدى الصين مبادرة الحزام والطريق، والسعودية تُريد أن تكون مركزاً لوجستياً يربط القارات الثلاث، الصديقان الآسيويان لهما توافق مُطلق في التعاون الدولي، وتعظيم المصالح الاقتصادية، دون التدخل في الشؤون الخاصة، والعلاقة بينهما تتطور بشكل كبير ومُتسارع ومُثمر لكلا الجانبين، القيادة السعودية تهتم بالدرجة الأولى لمصالحها ومصالح دول مجلس التعاون والدول العربية، كما تؤمن بالحياد في القضايا الشائكة، وتلعب دور الوسيط السلمي للصراع السياسي، وصانع للحلول الناجعة لأزمات الاقتصاد العالمي. هذه الشراكة الشاملة تجاوزت الجوانب السياسية والاقتصادية، والتي نضجت بمرور الوقت والمباحثات والزيارات الرئاسية والوزارية المتبادلة، اليوم هذه الشراكة تحمل في طياتها العديد من الشؤون الاجتماعية، وتوافق بشأن تعزيز التقارب الثقافي، فالصين تعرف الإرث الثقافي والاجتماعي المجيد والمُلهم للمملكة، وتُدرك التميّز للكفاءات السعودية، ودعم القيادة – أيدها الله – للنهوض بالمجتمع وازدهاره، وشمولية التنمية، كما أن السعودية، مُدركة للإرث للتاريخ الصيني والحضارة العظيمة التي نشأت منذ عِدّة قرون، وأن التقارب بينهما في كافة المجالات مفيد للجانبين. لا شك، ولا ريب، في أن نرى هذا التقارب، فسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله – عّراب الرؤية وقائدها، لا ينام له عين ولا يهدأ له جانب، حتى يُحقق مصالح بلده، لتكون دولة مؤسسية، تعمل وفق أجندة متطورة مع كافة الشركاء الدوليين مُعتمدةً على المصالح المُشتركة، كما أن سموه يدرك أهمية توحيد الصف الخليجي والتوجه والمواءمة في كل مناحي الحياة، كما يحمل سموه أيضاً هموم الوطن العربي ومعاناته وكل ما يُعيق التنمية فيه. قد نرى في المستقبل، تعزيز الشراكة بين الجانبين السعودي والصيني خارج حدودهما، فقد يعمل البلدان على توسيع التعاون بينهما في عدد من الدول النامية والأقل نمواً، بما يُحقق المصالح المشتركة لكافة الأطراف، ويُعزز من أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدتها الدول الأعضاء في الأممالمتحدة عام 2015م.