دعم القضية الفلسطينية وحل الدولتين وفق المرجعيات عندما تنعقد القمة الصينية العربية اليوم الجمعة، فإن العلاقات العربية الصينية المتجذرة والتي تعود بداياتها إلى أكثر من 2000 عام قبل الميلاد، عندما كان طريق الحرير شريان التجارة بين العرب والصين، ستعي انبعاثها من جديد، وفق مؤسسة للشراكة الصينية العربية الجديدة، وبناء تفاهمات جيواستراتيجية، وقواسم مشتركة لشرق اوسط آمن مستقر بعيدا التدخلات والهيمنة والاملاءات. بالمقابل ستعيد بكين تموضعها بعد القمة الصينية العربية لتوسيع حضورها ونفوذها وتأثيرها في المنطقة العربية، لتعزيز الأمن والسلام وفق قواعد الشرعية الدولية وعقد اتفاقات اقتصادية واستثمارية، والسير خطوة نحو عالم متعدد الأقطاب. ولهذا فإن القمة الخليجية الصينية والعربية الصينية تمثل "علامة فارقة" في العلاقات الصينية-العربية والخليجية والسعودية، والحفاظ على العلاقات مع إحدى أكبر القوى العالمية. إرساء السلام وتنظر الصين إلى المنطقة العربية بنظرة مختلفة حيث ترغب في إرساء الأمن والسلام وفق المرجعيات الدولية بدلاً من التهديد الذي تشكله أي قوة بمفردها. وعندما يلتقي قادة دول مجلس التعاون مع الرئيس الصيني اليوم الجمعة، وفق ما أعلنته الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي فإن الشراكة الخليجية الصينية ستحقق دفعة إلى الأمام، بحسب ما أكده الأمين العام للمجلس نايف الحجرف في بيان على أهمية العلاقات الخليجية-الصينية، حيث تعد الصين الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون. وستفتح القمة العربية – الصينية، الباب واسعا أمام مرحلة جديدة في مسار الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية والصين، بخصائص وسمات واضحة لا تتوقف عند حدود التنمية المشتركة والتكامل، بقدر ما تنسحب على مجمل العلاقات الدولية بإرهاصاتها ومسارات توازناتها الاستراتيجية. وفي الوقت نفسه، فإن ذلك يمثل للصين، فرصة تاريخية لتوسيع بصمتها الهادئة. أما على الصعيد السياسي، فستعمل بكين لإيجاد حل قضايا المنطقة فيما لو طلب منها ذلك، لضمان الاستقرار في منطقة الخليج العربي التي تتزايد المصالح الصينية فيه إلى جانب حض الفلسطينيين والإسرائيليين على "حل الدولتين"، وقد طرحت بكين سابقاً مبادرات عدة في هذا الجانب محاولة إنهاء الصراع، على أساس تطبيق القرار رقم 2254 والمبادرة العربية وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطينية المشروعة. الحفاظ على الممرات الآمنة إن نجاح الصين على التوقيع اتفاقيات استراتيجبة مع دول المنطقة ومشاركة الصين في توفير الممرات المائية وطرق التجارة الدولية، وخصوصاً في المضايق الذي يعد منطقة عالية الخطر للحفاظ على امدادات البترول مع استمرار التهديدات الإيرانية. توازنات جيوستراتيجية وينظر الخبراء العرب إلى القمة الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات العربية – الصينية على أنها واحدة من المحطات التي من شأنها تحديد ملامح المشهد على الصعيدين الإقليمي والدولي الذي بدأ يتشكل على وقع جملة من التحديات التي تعددت بتعدد الاتجاهات التي تتحكم فيها. ويرى مراقبون أن هذه القمة ستُشكل قاعدة لمتغيرات إيجابية قادمة لجهة إعادة صياغة التوازنات الجيوسياسية، للاستجابة لمُجمل التحديات المطروحة، وخاصة منها الحرب الروسية في أوكرانيا، وما أفرزته تداعياتها من تطورات مفصلية في خارطة التحالفات الإقليمية والدولية. وأضفى توقيت هذه القمة، أبعادا استراتيجية نوعية في علاقة بعوامل الحسابات والمعادلات المحيطة بها، الأمر الذي جعلها تتحول إلى حدث مفصلي جديد تصنعه السعودية. بينما تحتاج الدول العربية إلى الاستفادة من التكنولوجيا الصينية واستثماراتها في البنية التحتية، والتخلص من الهيمنة الغربية وانحيازها المطلق إلى إسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. وما يجذب الصين إلى الخليج ليس فقط النفط، فالغاز المسال الذي تعتبر قطر أكبر مصدريه يثير شهية بكين، حيث وقع الطرفان في نهاية نوفمبر الماضي اتفاقية لتوريد 4 ملايين طن سنويا من الغاز المسال إلى الصين طيلة 27 عاما بداية من 2026. من الجانب الديموغرافي يبلغ عدد السكان في 22 دولة عربية أكثر من 430 مليون نسمة، وهي سوق كبيرة، تفوق عدد سكان الولاياتالمتحدة أكبر شريك تجاري للصين، لذلك تسعى الصين لغزو الأسواق العربية بمنتجاتها الرخيصة نسبيا، والاستفادة من فرص الاستثمار فيها، وتأمين طرق التجارة بها. عالم متعدد الأقطاب لا يمكن لأي دولة مهما بلغت قوتها العسكرية أو الاقتصادية أن تفرض نفسها كقطب عالمي إلا من خلال تحالفاتها الدولية، وهذا ما تدركه الصين جيدا، والتي تسعى لتشكيل عالم متعدد الأقطاب، لذلك تعتبرها الولايات أكبر تهديد لهيمنتها على العالم. التحالفات الجديدة وفي هذا السياق تعمل بكين على تعزيز تحالفاتها ضمن عدة منظمات دولية مثل "بريكس" و"شنغهاي"، أو تعزيز تعاونها مع تجمعات إقليمية مثل منظمة "آسيان" والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية. فالحرب الروسية – الأوكرانية أثبتت أهمية هذه التحالفات الدولية. التجارة والاستثمار والعالم العربي بما يمثله من ثقل بشري وموقع استراتيجي وموارد للطاقة والمعادن، يعتبر ضمن أولويات بكين من حيث التجارة والاستثمار، وأيضا في الجانب السياسي، إذ يمكن للصين لعب دور في حل القضية الفلسطينية، خاصة وأن مواقفها أكثر اعتدالا من الولاياتالمتحدة. الصين تريد أن تصطف البلدان العربية إلى جانبها في أي صراع مستقبلي بشأن تايوان فالمصالح الصينية – العربية متشابكة إلى حد التكامل في الكثير من الملفات، خاصة الاقتصادية منها، والتجارة بينهما تضاعفت لنحو عشر مرات في أقل من عقدين؛ حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بيم الطرفين من 36.7 مليار دولار في 2004 عند تدشين منتدى التعاون الصيني – العربي إلى 330 مليار دولار في 2021. الشريك الأول وهذا الرقم يجعل من الصين الشريك التجاري الأول للدول العربية مجتمعة، متفوقة على الولاياتالمتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي. ليس ذلك فقط، فقيمة الاستثمارات الصينية في الدول العربية بلغت 213.9 مليار دولار ما بين 2005 و2021، ما يعطي لهذه الشراكة بُعدا اقتصاديا أكثر متانة، يتجاوز الجوانب التجارية التي ميزت العلاقة بين الدول الغربية والمنطقة العربية. أما على الصعيد العلمي والثقافي، فستعمل بكين التوسع في تعليم اللغة الصينية في الدول العربية، حيث افتتح 20 معهداً كونفوشيوسياً في 13 دولة عربية حتى الآن، فضلاً عن 230 مدرسة وجامعة تعلم اللغة الصينية في العالم العربي، محاولة تقديم النموذج الصيني للعولمة كبديل من العولمة الغربية القائمة على صراع الحضارات. الجيوسياسية في المنطقة. وضمان الحصول على الطاقة بشكل آمن، خصوصا أن القمة الصينية – العربية تعد محطة استراتيجية باقتدار، ضمن سياق عالمي يسعى للخروج من هيمنة القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب، بدأت تتجلى معالمه في أكثر من منطقة. ومع أنّ الصين قد تفادت التورّط في النزاعات والصراعات الإقليمية، ونجحت في مقاربتها لمجلس التعاون الخليجي، على الرغم من تأدية دور أكبر، لا ترغب الصين في الحلول مكان القوى الكبرى كالجهة التي تضمن الأمن في المنطقة. لكن نظراً إلى اعتماد الصين المفرط على الطاقة من الخليج وإلى طموحاتها العالمية، قد تضطرّ إلى تأدية دور أكبر في الخليج على مدى العقود المقبلة. ومع صعود الصين تدريجياً على ساحة النفوذ العالمي، بدأت تعمل على تعزيز التقارب مع العرب، وصولاً إلى الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا، وذلك لفتح أسواق جديدة، وتحسين الوصول إلى الموارد التي تحتاجها الصين لدعم قوتها الاقتصادية. المتوقع أن تحقق هذه القمم تطوراً في العلاقات العربية والخليجية -الصينية، ليس لجهة الأرقام التي تعكس الازدياد في حجم التبادل التجاري فقط، بل لجهة انخراط الصين في عدد من القضايا التي تمسّ أمن وسلام المنطقة، والتي يمكن لبكين لعب دور بارز فيها، خاصة وأنها الدولة الأكثر قبولاً ربما من قبل جميع الأطراف. ولتحقيق أفضل النتائج من الارتباط مع الصين، تعتمد دول مجلس التعاون الخليجي اعتماد مقاربة جماعية إزاء الصين.. وفي العام 2020، حلّت الصين محلّ الاتّحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لدى مجلس التعاون الخليجي مع نشاط تجاري ثنائي الجهات بقيمة قدرها 161,4 مليار دولار أمريكي. فمشاريع البنى التحتية الضخمة في المنطقة، على غرار إستاد لوسيل في قطر وسكك القطارات السريعة في المملكة، تؤمّن فرصاً مربحة للشركات الصينية. وتعتبر الإمارات العربية المتّحدة أكبر سوق تصدير وشريك تجاري غير نفطي لدى الصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكانت أيضاً مركزاً لإنتاج اللقاح الصيني لفيروس كورونا المستجدّ. والصين هي أيضاً المستورد الأكبر للنفط الخام العماني، إذ تستورد قرابة 78,4 في المئة من إنتاجها، ويشكّل هذا ارتفاعاً ملحوظاً عن نسبة 17,8 في المئة المسجّلة في العام 2002. ومن المتوقّع أن تؤدّي عُمان دوراً كبيراً في مبادرة الحزام والطريق الصينية. العرب والخليجيون يمأسسون علاقاتهم اليوم مع الصين وسط نجاح منقطع النظير لدبلوماسية صناعة القمم السعودية لإيجاد شرق أوسط آمن ومستقر.