عند كل حديث عن تعاون بين المملكة العربية السعودية والصين، وبالأخص حول زيارة الرئيس الصيني إلى الرياض، نجد أنه يتمحور حول هل تخلت المملكة عن علاقتها الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة وتحولت إلى الشرق، ونرى الدعوة للتخلي عن واشنطن تماماً، ردود عاطفية مندفعة، ربما هي إرهاصات نتاج التصرفات الأمريكية الأخيرة تجاه المنطقة، إلا أن الواقع مختلف تماماً، فالمملكة لا تتحرك وفق الانحياز لشرق أو غرب، بل هي تبني مصالحها وفق الظروف العالمية الحالية، حيث يمر العالم بأحد أهم مراحل تشكله الجديد، مرحلة إعادة تعريف المصالح، فجميع الدول بلا استثناء تعيد تقييم علاقاتها ومصالحها، وتعمل على ترتيب أوراقها وتحالفاتها، أمر لابد منه عجّلت به جائحة كورونا، والأزمة الاقتصادية العالمية، والحرب في أوكرانيا، وتحركات غربية في شرق آسيا، وتغيرات جيوسياسية أخرى، فأصبح الأمر ضرورة ملحة. المملكة العربية السعودية جزء من هذا العالم، وتتأثر بتغيراته، وبالتالي هي تتحرك وفق مصالحها فقط، محافظة على ما سبق، وتطور لما تملك، وتبني للمستقبل، وإن كانت تريد توسيع علاقاتها، وتنويع مصالحها، ورفع مستوى تأثيرها الاستراتيجي، فلن تفعل ذلك انحيازاً لطرف دون آخر، ولا يعني أن تعزيز علاقتها بالصين لأنها ستحل محل أمريكا، كما أن العلاقات الدولية ليست إما شرقا أو غربا، فالرياض عُرِفت بالوسطية والاتزان والحكمة، وتتعامل مع الجميع وفق القانون الدولي والأعراف الدولية ومبادئ الاحترام المتبادل. الصين هي الشريك التجاري الأكبر مع المملكة، الوجهة الأولى للصادرات والواردات السعودية، حيث تجاوز حجم التجارة البينية 310 مليارات دولار، وتشتركان في صندوق خاص بدعم الشركات الناشئة، وهناك طموح من الجانبين بتطوير التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري باستمرار، إيماناً بأهمية كل طرف للاقتصاد العالمي، وتأثيرهما في السياسات القائمة، ولأن بكين تدرك أن المنطقة واعدة، ومهمة كمصدر طاقة آمن، مع مشاريع طموحة، وأن تواجدها فيها لا يتم إلا عبر تطوير علاقتها مع الرياض، التي تستحوذ على ربع تبادل المنطقة العربية التجاري مع الصين، هاهو زعيمها يخصها بزيارة استثنائية، والتي جهزت الرياض لها قمماً ثلاث، مؤكدةً ريادتها وقيادتها وزعامتها للمنطقة. نقول كل ذلك، ونحن نؤكد أن علاقة المملكة الاستراتيجية بالولاياتالمتحدة مازالت قائمة، وهي حريصة على استمرارها وتطويرها، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، كما أكد سمو سيدي ولي العهد في عدة مناسبات، وتدرك واشنطن ذلك بل وتتفهمه، فالعالم المتعدد الأقطاب يتشكل، ولكل دولة الحق في تعزيز مكانتها، وتطوير مصالحها.