ترى الباحثة الأميركية ناتاشا لويس، أن العنف يزداد مرة أخرى في إفريقيا، مع زيادة اقتراب المتطرفين من إقامة تنظيمات في إفريقيا. وذكر المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية، وهو معهد تحليل تابع للبنتاغون هذا الصيف، أن الهجمات في إفريقيا زادت بنسبة 300 % خلال العقد الماضي، وبلغت الهجمات العنيفة الضعف خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وتقول لويس، الباحثة المتخصصة في الأمن الإفريقي، بما في ذلك الإرهاب، والصراع وحقوق الإنسان في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأميركية، إنه في ضوء تخفيف قيود كوفيد-19 وزيادة البطالة، أصبحت منطقة إفريقيا جنوبي الصحراء "موضعا للإرهاب"، وذكر مركز إفريقيا أن "الوفيات نتيجة للإرهاب هناك زادت أكثر من ألف شخص منذ عام 2007، ونصف إجمالي الوفيات كان نتيجة للإرهاب عالميا العام الماضي، والذي شهدته إفريقيا جنوبي الصحراء، خاصة في منطقة الساحل"، كما أن إفريقيا تضررت بشدة بتأثيرات الاحتباس الحراري، حيث أصبحت المجتمعات الريفية والفقيرة أكثر عرضة لنفوذ الجماعات المتطرفة، وهي تبحث باستماتة عن فرص لإعالة أسرها. وتضيف لويس، الحاصلة على درجة الماجستير في الشؤون العالمية مع التركيز على الأمن العابر للدول من جامعة نيويورك أن القيادة الأميركية في إفريقيا (افريكوم) ذكرت الشهر الماضي أن حركة الشباب هي "أكبر وأنشط شبكة حركيا في العالم، وأثبتت إرادتها وقدرتها على مهاجمة الولاياتالمتحدة"، وبعد أسبوع، ارتكبت الشباب هجوما واسع النطاق في مقديشيو، أدى لمقتل أكثر من 100 مواطن وإصابة 300 آخرين. ومع انتشار العنف في أكثر من 12 دولة إفريقية، أصبح من المهم بصورة متزايدة التساؤل عن الكيفية التي ربما تصبح بها الدول الأجنبية أكثر مشاركة، ويزيد أهمية هذا الأمر توقع نشوب حرب باردة بين الولاياتالمتحدة، وروسيا، والصين. وعلى أية حال، لا شك أن دولا مثل فرنسا، والولاياتالمتحدة والتي واجهت فشلا كبيرا في إفريقيا والشرق الأوسط، سوف تكون مترددة في القيام بتنفيذ عمليات كبيرة لمكافحة التمرد، وعلى سبيل المثال، كانت الولاياتالمتحدة في مشاركتها في الصومال حريصة للغاية بألا تكرر الأحداث التاريخية التي وقعت عام 1993. ومع ذلك، أثبتت مثل هذه الخيارات العسكرية بأنها تحقق نتائج عكسية، مما يؤدي إلى تحولات خاطئة في الاستراتيجيات. وتشير لويس إلى أن ثلاثة أرباع العمليات الأميركية الخارجية تقريبا في الفترة ما بين 1989 و2018 كانت غير تقليدية، ومع ذلك تحولت الاستراتيجية العسكرية الأميركية خلال السنوات القليلة الماضية بعيدا عن الإرهاب، واتجهت نحو المنافسة الاستراتيجية بين الدول، لا سيما روسيا والصين، ويضعف خفض عمليات مكافحة التمرد بشكل كبير، القدرة على ترسيخ "نفوذ أميركي في مناطق استراتيجية غير مستقرة" على حد قول الباحث العسكري الأميركي أليكسندر كاليوت. وكتب الضابط في الجيش الأميركي جوستين ليتش في عام 2014 محذرا من أن الجماعات الإرهابية تستغل هذا التحول، بعيدا عن نشاط مكافحة التمرد. وقال ليتش" العديد من العناصر العنيفة التي ليست بدول، على استعداد لاستغلال تلك التحولات، وما زالت القاعدة ومجموعات أخرى لاحصر لها نشطة في أفغانستان، وباكستان، وكذلك الجماعات التابعة لها في شمال إفريقيا، واليمن، ومناطق أخرى؛ حيث تواصل بوكو حرام في نيجيريا والشباب في الصومال مواجهة خصومهما في معركة ضارية؛ كما أن تنظيم (داعش) تنامى بوتيرة مخيفة في سورية والعراق. وسوف يظهر المزيد من الجماعات المتطرفة". وتؤكد لويس أن توقعات لينش، أثبتت صحتها مع انتشار الجماعات الإرهابية الحالية، وظهور جماعات جديدة في إفريقيا. ومعظم إجراءات محاربة الإرهاب رجعية وليست استباقية، وتسفر في الغالب عن تجاهل الولاياتالمتحدة للأسباب الرئيسة للتحول إلى التطرف، ومع انسحاب الولاياتالمتحدة والاتحاد الإفريقي من دول مثل الصومال، أصبحت الجماعات الإرهابية أكثر جرأة، وعلاوة على ذلك، فإن حملات الدعاية الروسية والصينية في أنحاء إفريقيا أسفرت عن أسافين ضد الغرب. وأسفرت المشاعر ضد فرنسا والتي عززتها روسيا عن هجمات مميتة وانسحاب فرنسي كامل من مالي. ويتعين أن تعزز السياسة الأميركية المزيد من العلاقات في إفريقيا ووضع استراتيجيات أفضل للمشاركة، ومع ذلك، فإنه مع التحول العسكري بعيدا عن مكافحة التمرد، يثار التساؤل حول كيف تستطيع الولاياتالمتحدة توسيع نطاق تواجدها في إفريقيا، وفي ظل فشلها مؤخرا في الشرق الأوسط، يبدو أن واشنطن غير قادرة على التعلم من أخطائها السابقة. وما لم تغير الولاياتالمتحدة استراتيجياتها الدبلوماسية والعسكرية في إفريقيا، من المحتم أنها سوف تكرر نفس الأخطاء، وإذا ما قامت الولاياتالمتحدة بتوسيع نطاق تواجدها العسكري في إفريقيا، من المرجح أنها سوف تفشل مرة أخرى في إدراك التعقيدات الخارجية، وسوف تكون عاجزة عن ترسيخ حكومات فعالة، ومن ثم سوف تعود إلى ممارسة التخلي عن جهود بناء الدول، ومثل هذه السياسات سوف تزيد فراغات السلطة والأمن سوءا، وسوف تفاقم انتشار الإرهاب الذي يتزايد بالفعل. ولا شك أن أوجه فشل الولاياتالمتحدة في العراق، سوف تدفع واشنطن إلى التردد في المشاركة في عمليات مكافحة التمرد، ورغم أن الولاياتالمتحدة شهدت ماضيا مضطربا بالنسبة لعمليات مكافحة التمرد في إفريقيا، فإنه سوف يكون من المستحيل تجاهل انتشار النفود الروسي والصيني والتهديد المتعلق بإمدادات الموارد الرئيسة، ومن المؤكد أن الاعتماد على الموارد المهمة سوف يزيد من المنافسة في إفريقيا، وبالإضافة إلى ذلك، سوف يؤدي توسع الإرهاب في القارة إلى اضطرابات حتمية في امدادات هذه الموارد الرئيسة. ويلخص تحذير المحلل رشيد عبيد، فيما يتعلق بحركة الشباب حاضر ومستقبل الإرهاب في إفريقيا: إذ يقول "استعدوا! سوف يزداد الأمر سوءا قبل أن يتحسن". وفي مرحلة ما في المستقبل القريب، سوف يضغط هذا على الولاياتالمتحدة لتوسيع نطاق تواجدها في إفريقيا. فليس بوسع الولاياتالمتحدة مواصلة دورة فقدان تركيزها على مكافحة التمرد، ونسيان الدروس الماضية، وغض الطرف عن وضع سوف يجذبها إليه في نهاية الأمر. -