ينبض قلب الزوجين بالمحبة ويربط بينهما ميثاق الزواج الغليظ، لكن في لحظة غضب واهتياج ينسفان ميثاق الزواج، ويهويان بالعرش الذي بُني بصبر ومودة، ويحطمان كل الجسور التي شيداها بالمحبة والصبر، متناسين أن الضحية النهائية لانفصال القلبين هم الأبناء، وتبدأ مرحلة التساوم بين الطرفين، ومع التسرع وعدم الرغبة في تحمل الآخر، فإنَّ نهاية العلاقة الزوجية تعني ضياع الأطفال وتزعزع الاستقرار الفكري لدى الطفل، ويظن أولئك الأزواج أنَّ الطلاق هو الحل للمشكلات التي نشبت بينهم، ويسعيان بكل السبل لإقناع أنفسهم باستحالة العيش المشترك، بيد أنهم يتناسون مرارة الحرمان. وبتشتت الأسرة في عاصفة الحياة، يقع الأبناء ضحايا لنزعة الكبرياء المتوهمة، ونشوة الانتصار المزيفة للزوجين في مسعاهما للطلاق، تاركين الأطفال في صراع وقلق لمصيرهم ومن سيحنو عليهم، ويبدد ألم التنازع حول مصيرهم إلى الأب أو الأم، وتبدأ الاشتراطات بينهما وكأنها حرب لإثبات الولاية وخدعة الانتصار المشوهة. وفي عالم اليوم المليء بالتعقيدات وتشعب المشكلات وتنوعها ومعظمها يأتي من خارج الأسرة، فإنَّ هناك ظاهرة أصبحت تلوح في مجتمعنا بشكل حرية مزيفة وهي إصرار المرأة بطلب الخلع على أتفه الأسباب، ظناً منها حل القيود وطلب الانفتاح والحرية المقيتة التي يدعونها أصحاب فكر «أعطني حريتي وأطلق يدي»، وهذا الفكر قد تفشى بالمجتمع، ويجب التنويه عليه ومناقشته بشكل جدي؛ لأن عواقبه مريرة جداً ولا ينفع معه الرجوع إلى قاعدة الأسرة المستقرة، والضحية الأبناء، حيث تنسى أولئك المتزوجات الساعيات إلى الخلع أن السير في ذلك الطريق يعني نهاية أحلام الأطفال في عالم مثالي آمن لهم وبيت واسع يحويهم ويمنحهم الاستقرار. ذلك السعي وراء الطلاق يحطم البيت الذي بني على المودة والرحمة، ويهدُّ أركان الأسرة الصغيرة التي تشكلت لتكون نواة للمجتمع الصالح، ويترك أطفالاً مزعزعين بأفئدة خاوية تخلو من أي انتماء، لكن الخطر الأكبر من تزايد حالات الطلاق هو خلق شرخ كبير في المجتمع، وتشكل حالات الطلاق المتزايدة إلى زعزعة استقرار المجتمع في ظل نسبة عالية لتشتت الأطفال ذهنياً وعاطفياً، وفي معظم حالات الطلاق التي عرفناها أو وصلت إلى مسامعنا، فإنَّ الرغبة في إنهاء الارتباط أكثر إلحاحاً من إيجاد حلول بين الطرفين. وفي غالب تلك الحالات فإنَّ غياب الحكمة والقدرة على تحمل الطرف الآخر، كان السبب الأول في التسرع وإنهاء الرباط الغليظ الذي جمع وحوى واحتوى قلبين عاشا على صراط الزواج القويم. وعلى الرغم من أنَّ المشايخ وخطباء المساجد سعوا لتوضيح أهمية استقرار الحياة الزوجية، ونبهوا لخطورة تفكك الأسرة بعد الطلاق، ودعوا لأهمية الصبر والتحمل بين الزوجين، إلاّ أن البعض أصم أذنيه عن النصح والرشد ومضى في غيه، سعياً وراء كبرياء زائف بالانتصار عبر معركة الطلاق. تلك النصائح من المشايخ تشكل جرس إنذار ووميض تنبيه بعدم السير في طريق الطلاق المحفوف بالمخاطر على الأطفال والزوجين المطلقين، وعلى الأسرة والمجتمع. على العقلاء من جانبي الزوج والزوجة الساعين في طريق الطلاق التدخل لإيقاف الانحدار في طريق الانفصال المهلك، هنا لا نقول إن بعض الطلاق خطأ، فقد يكون في بعض الحالات جزءاً من الحل، لكن في حدود ضيقة جداً، وبالتأكيد قد فهمتم القصد. عندما تكون الضحية فلذات أكبادنا الذين هم مستقبل المجتمع وجيل جميل مليء بالمحبة والهدوء، هنا، لا بد أن نسلط الضوء على بعض الحالات التي تستوجب الوقوف عندها ومناقشتها مع القراء لنستفيد من أخطاء الآخرين، ونعدل مسارنا إلى الطريق الصحيح، ونبني جسوراً منيعة وإحداثيات لأسرة المستقرة، في البداية والنهاية فإن تحمل الآخر صمام الأمان وحائط الحماية من خطر الطلاق، والقلوب التي تصبر وتحتمل فإنها تحن وتنمو وتزدهر.