مع قرب انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، يستعد لبنان للدخول في مرحلة من الفراغ السياسي، جراء عدم وجود مرشح قادر حتى اللحظة على حصد الأكثرية المطلوبة في البرلمان، ما يهدّد بتعميق أزمات البلاد وسط انهيار اقتصادي متسارع. ويرى محللون ومعارضون أنّ الفراغ مرتبط بشكل رئيس بعدم قبول حزب الله، اللاعب السياسي والعسكري الأقوى، بعملية اقتراع توصل مرشحا من خارج دائرة تأثيره إلى الرئاسة، وسعيه إلى التوصل إلى تسوية، على غرار ما حصل عند انتخاب عون رئيساً بعد أكثر من عامين من الشغور الرئاسي. وتقول مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز "تشاثام هاوس" للأبحاث لينا الخطيب: "السيناريو الأكثر ترجيحاً بعد انتهاء ولاية عون هو الفراغ الرئاسي المطوّل إلى أن تتفق الأحزاب السياسية الرئيسة على مرشح". للمرة الرابعة على التوالي، فشل النواب الاثنين في انتخاب رئيس، رغم توفّر نصاب انعقاد الجلسة بأكثرية الثلثين في الدورة الأولى، بحضور نواب حزب الله وحلفائهم، قبل أن ينسحب عدد كبير منهم قبل بدء الدورة الثانية من التصويت، ما أطاح بالنصاب. ويحتاج المرشّح في الدورة الأولى من التصويت إلى غالبية الثلثين أي 86 صوتاً للفوز. وفي حال جرت دورة ثانية، تصبح الغالبية المطلوبة 65 صوتاً. وتضيف الخطيب "على غرار ما حدث عام 2016، سيصرّ حزب الله على فرض مرشح". وغالباً ما يستغرق انتخاب رئيس أشهراً في لبنان، البلد القائم على منطق التسويات والمحاصصة بين القوى السياسية والطائفية. في العام 2016، انتخب عون رئيساً بعد 46 جلسة انتخاب خلال أكثر من عامين. تعطيل ممنهج وغرّد رئيس حزب القوّات اللبنانيّة سمير جعجع، على حسابه في "تويتر": "التيار الوطني الحر الذي يرأسه جبران باسيل، صهر ميشال عون، وحزب الله يحاولان تعطيل ملف انتخاب الرئيس كونه لا يناسبهم". وأضاف "هؤلاء مجرمون كبار يريدون تعطيل هذا الملف حتى يتعب الناس ويقبلوا بأي رئيس، وهذا لن يحصل". وقال النائب عن حزب الكتائب اللبنانية المعارض الياس حنكش: "ليس مقبولاً أن يتّبع طباخو السلطة المقاربة ذاتها"، في إشارة الى حزب الله وحلفائه، أي "الذهاب إلى فراغ ليصبح أمراً واقعاً ويحصل بعدها توافق بالإكراه" على مرشّحهم. ويُنظر على نطاق واسع الى الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية، على أنه المرشح الأمثل بالنسبة لحزب الله، وإن كان الحزب لم يعلن دعمه علنا له. لكنه ليس بالضرورة مرشحه الأوحد. وفرنجية صديق شخصي للرئيس السوري بشار الأسد، وغالباً ما يُطرح اسمه كمرشح عند كل استحقاق رئاسي. ويؤيد حزبا الكتائب والقوات والحزب الاشتراكي بزعامة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وبعض المستقلين المرشّح ميشال معوّض الذي نال 39 صوتاً في آخر جلسة انتخاب. ومعوض وفرنجية المتحدران من منطقة زغرتا ذات الغالبية المسيحية المارونية في شمال لبنان على طرفي نقيض، فالأول مقرّب من واشنطن ويُعدّ من معارضي حزب الله والمطالبين بنزع سلاحه. لكن حزب الله يعتبره مرشّح "تحدٍّ". ورأى حنكش أن "الفريق الآخر" يتبع "تعطيلاً ممنهجاً سينتهي بقبول أفرقاء آخرين، ربما تحت الضغط، بإيصال مرشحه" الى الرئاسة. وأضاف "لا يجب الوصول الى 31 أكتوبر من دون انتخاب رئيس". وإذا تعذّر ذلك، يتعين على رئيس مجلس النواب نبيه بري أن "يبقي المجلس مفتوحاً ويطلب من النواب عدم مغادرة القاعة حتى انتخاب رئيس". قلق دبلوماسي ورغم أنّ عدم احترام المهل الدستورية شائع في لبنان، إلا أن الفراغ هذه المرة يأتي في ظل انهيار اقتصادي متسارع ومع وجود حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية لضمان الحصول على مساعدات دولية وإن محدودة، يحتاجها لبنان بقوة، وبعد ثلاث سنوات على احتاجاجات غير مسبوقة طالبت برحيل الطبقة السياسية كاملة. ويشهد لبنان منذ ثلاث سنوات انهياراً اقتصادياً صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عقود، خسرت معه العملة المحلية قرابة 95 % من قيمتها وبات معه أكثر من ثمانين في المئة من السكان تحت خط الفقر. وتحول الانقسامات السياسية دون تشكيل حكومة منذ الانتخابات البرلمانية في مايو، بينما يضغط المجتمع الدولي لانتخاب رئيس لتجنّب تعميق الأزمة. ويقول مصدر دبلوماسي غربي رفض الكشف عن هويته إن "معظم السفارات لدى بيروت قلقة من احتمال ألا يكون للبنان رئيس بعد انتهاء ولاية عون". ويضيف "الأزمة السياسية هي آخر ما يحتاجه اللبنانيون الآن". ومن شأن انتقال السلطة الى حكومة تصريف أعمال أن يؤدي الى "خلق وضع مقلق للغاية"، وفق المصدر ذاته. ويقول الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي سامي نادر: "استمرار عدم التوافق في الداخل على مرشح قد يستدعي ضغطاً أو تدخلا خارجياً بغياب اللجوء الى المؤسسات".