"السلطة السياسية تنمو من ماسورة البندقية" - هكذا قال مؤسس دولة الصين الشيوعية ورئيس الحزب، ماو تسي تونغ ذات مرة.. ويبدو أن الرئيس الصيني شي بات قريبا من إضافة لقب جديد له في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني المنعقد حالياً في بكين، والذي يختتم اليوم السبت، وهو لقب رئيس الحزب، وهو نفس اللقب الذي منِح ماو تسي تونغ.. وبحسب خبراء صينيين تحدثوا ل"الرياض"، فإن الرئيس شي قاب قوسين من الفوز بدورة رئاسية ثالثة، ويعني ذلك أنه سيحكم البلاد لمدة خمس سنوات أخرى، ليصبح بذلك من أكثر زعماء الصين نفوذاً والأكثر تأثيراً في تشكيل مستقبل الصين الجديد، مقارنة بأي زعيم آخر منذ استقلال بلاد التنين عن الاستعمار البريطاني في القرن الماضي، وحتى ربما أقوى من حيث التأثير من الزعيم ماو تسي تونغ وفق مراقبين. الجزرة والبندقية الرئيس شي خلال فترة حكمة زاوج بين البندقية والجزرة، ونجح في إيصال الصين، كقوة اقتصادية وسياسية تتصدر المشهد السياسي العالمي بامتياز، وعلى مدار ال7 أيام الماضية دارت اجتماعات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني في قاعة الشعب الكبرى ببكين، شارك بها، نحو 2300 مندوب من شتى المقاطعات الصينية، يمثلون نحو 96 مليون شخص هم أعضاء الحزب. علاقة الحزب والدولة والرئاسة في النظام السياسي في الصين ليست قاصرة على إدارة شؤون الدولة، ولكنها تعني كذلك رئاسة الحزب الشيوعي، وهناك علاقة وثيقة جدًا بين الحزب والدولة، وغالباً ما ينظر الشعب إلى أنهما مؤسسة واحدة. وفي عام 2018، ضُمنت "أفكار شي جين بينغ حول اشتراكية ذات سمات صينية لعهد جديد" في دستور البلاد. ربما كان العنوان طويلا، ولكن وجود عقيدة تحمل اسمه أدى إلى تعزيز إرث الرئيس شي، الذي ألقى خطاباً قوياً في افتتاحه للمؤتمر الأسبوع الماضي استغرق ما يقارب الساعتين، عرض فيه مؤشرات عن برنامجه للسنوات الخمس المقبلة، مؤكدا أن بلاده لن تتخلى عن حق استخدام القوة بشأن تايوان، وتعهد بأن بكين "لن تلتزم قط بالتخلي عن استخدام القوة" عندما يتعلق الأمر بتايوان ولم يتطرق شي في خطابه إلى حرب أوكرانيا. تحديث البنى التحتية ويحْسب للرئيس شي منذ صعوده إلى السلطة، تحديث البنى التحتية وإحداث نقلة تقنية وتوسيع حجم الاقتصاد وزيادة الصادرات وفتح أسواق جديدة ورفع معدلات الدخل بالنسبة للأفراد، وهذه الإنجازات منحته القبول الشعبي الواسع. وكان الموضوع الرئيس للمناقشة خلال أيام المؤتمر أهمية تعزيز الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، والتنفيذ الكامل لهذه التوجهات مع ضرورة التمسك بالأساسيات، والمبادئ وفتح آفاق جديدة، والمضي قدماً في المشاريع المخطط لها، ودفع التجديد للأمة الصينية في جميع المجالات". تداعيات حرب أوكرانيا وتزامن انعقاد مؤتمر الحزب الصيني مع توترات ومخاطر كبيرة، سواء بسبب استمرار الحرب في أوكرانيا، والتصعيد بشأن تايوان، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها أغلب دول العالم وتدهور أوضاع أسواق الطاقة العالمية؛ وستكون هناك نتائج كبيرة لهذا المؤتمر على علاقات الصين مع الولاياتالمتحدة والعالم، وفي حال تم اختياره زعيما للحزب لخمس سنوات أخرى، فسيتم بانتخاب شي رئيسا خلال الاجتماع السنوي لمجلس الشعب الصيني المقرر في مارس القادم، وكانت وزارة التعليم الصينية قد كشفت في أغسطس الماضي، عن خطة تهدف إلى تضمين عقيدة شي جين بينغ في المناهج التعليمية. علاقة شي بوالده استفاد الرئيس شي بشكل كبير من علاقات والده شي تشونغ شون، القائد في الحزب الشيوعي الصيني، الذي كان يتمتع بمؤهلات ثورية لا تشوبها شائبة، وعمل لفترة وجيزة كوزير للدعاية في عهد ماو. تجديد دماء اللجنة المركزية ويعد مؤتمر الحزب بمثابة تجديد دماء اللجنة المركزية للحزب كل خمس سنوات المعنية بتنفيذ قرارات المؤتمر الوطني، وقيادة عمل الحزب وتمثيل الحزب خارجيا. المؤتمر يأتي وسط تحديات داخلية على رأسها كورونا والسياسة المتشددة للإدارة الصينية نحو "صفر كوفيد وأخرى خارجية تتعلق بتوترات مع الغرب وخاصة أميركا التي حددت استراتيجيتها الجديدة الصين باعتبارها المنافس الوحيد لواشنطن في إعادة تشكيل النظام العالمي، وشهدت فترة شي جين بينغ لفترة الطفرات غير المسبوقة في الجيش الذي بات أكثر احترافية وكذلك حملاته الواسعة ضد الفساد. وقال توماس فريدمان، الكاتبُ الشهير بصحيفة نيويورك تايمز، إن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، سيخرج أكثر قوة بعد هذا المؤتمر بما تستمر معه السياسات المتشددة تجاه تايوانوالولاياتالمتحدة، فيما أشارت نيويورك تايمز إلى أن الاجتماع الكبير سيكشف عن اتجاه السياسة العامة للصين وتشكيلة قيادتها المقبلة في وقت يتباطأ فيه النمو في الداخل وتتعمق التوترات في الخارج. ورأت "نيويورك تايمز" أنه من المرجح جداً أن يفوز بفترة ولاية ثالثة مدتها خمس سنوات، فقد استقر كبار القادة الصينيون على نمط عشر سنوات في السلطة، واتفقوا على أن الرئيس شي هو القائد صاحب الرؤية الذي تحتاجه الصين لتأمين صعودها. ومنذ صعود شي للقيادة عام 2013، تم تعديل الدستور وإلغاء القيود المفروضة على مدة ولايته كي يُسمح بتمديدها لأكثر من فترتين كل منهما 5 سنوات، ويتهيأ حاليا لمنحه فترة حكم ثالثة، ومن الواضح عدم وجود أي تحدّ جاد أمام سيطرة شي في المؤسسة الصينية والحزب الحاكم. معارضة استخدام القوة وتعارض الصين بحزم جميع أشكال الهيمنة والسياسات القائمة على القوة، كما تعارض عقلية الحرب الباردة والتدخل في شؤون الدول الأخرى الداخلية كما تعارض ازدواجية المعايير. وبالنسبة لأغلب الصينيين، فقد نجح شي في القضاء على الفقر والفساد، وتشير تقارير البنك الدولي إلى خروج 800 مليون صيني من عداد الفقراء خلال العقود السابقة. محاربة التلوث كما نجح شي في محاربة التلوث بصورة واسعة، وبعدما كان هناك 6 مدن صينية بين أكثر 10 مدن ملوثة في العالم، انخفض العدد إلى 3 مدن فقط، مع استمرار الجهود لتخفيض معدلات التلوث. إصلاح كبير بالجيش وقاد الرئيس شي عملية إصلاح كبيرة بالجيش أدت إلى التخلي عن العقيدة الروسية في القتال وتبني العقيدة الأميركية، في إشارة إلى إنهاء الاعتماد على القوات البرية كعمود فقري للجيش، واتباع القيادة المشتركة التي تلعب فيها القوات الجوية والتكنولوجية دورا رائدا، إضافة لذلك، عيّن شي آلاف الضباط الصغار محل كبار السن، ويدين هؤلاء له بمنحهم هذه الفرصة. شي.. الرهان القادم ولم يتوقع كثيرون أن يصبح شي جين بينغ الزعيم الصيني الأقوى منذ عقود - ولكن يبدو أنه ضمن الفوز بفترة ثالثة في الحكم، كونه قبل عقد مضى لم يكن يُعرف الكثير عن شي، سوى كونه ابن أحد زعماء البلاد الثوريين. وساعده نسبَه على الفوز بدعم كبار قادة الحزب الشيوعي الصيني، وهو شيء في غاية الأهمية لمن يريد ارتقاء سلم المناصب في الحزب لأن هؤلاء القادة يتمتعون بنفوذ سياسي حتى بعد تقاعدهم. يقول جوزيف فيوسميث الخبير في السياسة الصينية بجامعة بوسطن إنه "قبل صعود شي جين بينغ للسلطة، كان يُعتبر شخصا بإمكانه التوصل إلى حلول وسط وتسويات مع الجميع". كما أعاد شي هيكلة الجيش في عام 2015. فقد ألغى أقسام الجيش الأربعة - شؤون الأفراد، السياسات، الشؤون اللوجستية والتسليح، واستبدلها ب 15 وكالة صغيرة. على الصعيد الخارجي يواجه الرئيس الصيني في دورته الثالثة كيفية التعامل مع حصار واشنطن وحلفائها لمشروعات "الحزام والطريق"، خاصة بعد غزو روسيالأوكرانيا. التحديات الأميركية ويعتب التصعيد مع أميركا أحد أبرز تحديات الرئيس شي القادمة، حيث مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "CIA"، وليام بيرنز، إن هناك أربعة "تحديات رئيسية ستشكل النظام العالمي المستقبلي"، مشيرًا إلى أن الصين هي التحدي الجيوسياسي الوحيد والأساسي للولايات المتحدة في القرن الحالي. وترى واشنطن أن قوة الصين تتصاعد في آسيا وهي أكبر منطقة أسواق في العالم، وأن حصتها العالمية تتنامى وفي منتصف آسيا، تقع الصين. فالتالي فإن الرؤية الأمريكية تتمحور منع الصين من ترسيخ هذه الهيمنة على آسيا حتى أضحت الأولوية بالنسبة للسياسية الخارجية الأمريكية - حتى في وجه ما يحدث في أوروبا. كون واشنطن ترى آسيا أكثر أهمية من أوروبا، والصين تمثل تهديدا أكبر بكثير من روسيا. وبالمقارنة، يبلغ اقتصاد الصين حوالي ضعف اقتصاد أوروبا اليوم، لكن في غضون عشرين عاما من المرجح أن يبلغ أضعافا مضاعفة، وفي الوقت نفسه، يعتبر إجمالي الناتج المحلي في الصين أكبر بكثير من مثيله في روسيا. التحدي المتنامي أثار وصف الولاياتالمتحدةالأمريكية للصين بالتحدي المتنامي في خضم الحرب الأوكرانية الكثير من التساؤلات، حول قدرة الولاياتالمتحدة على تحجيم العملاق الصيني ومواجهته جنباً إلى جنب مع روسيا، في ظل اتباع الصين لسياسة النفس الطويل والتصميم على البناء على ما وصلت إليه من نمو اقتصادي وصناعي. وتعتمد الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة الصعود الصيني على إقامة تحالفات أمنية وعسكرية في نطاق ضيق، وهو النموذج الذي قدمته في تحالفها الثلاثي والأكثر إحكاماً تحالف "أوكوس" مع كلا من بريطانيا وأستراليا، بالإضافة إلى عقد شراكات مع دول من منطقة المحيطين الهندي والهادئ لا تضع حلفاء الولاياتالمتحدة في مواجهة مباشرة مع الصين، وتُمكن واشنطن من الوفاء بالتزاماتها الأمنية نحو حلفائها. بالرغم من سياسة بايدن الخارجية التي تبدو أقل انخراطا في الشرق الأوسط وتعطي أولوية استراتيجية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، إلا أن التمدد المالي والاقتصادي للصين في منطقة الشرق الأوسط والروابط القوية التي بدأت تنسجها بكين مع غالبية القوى الإقليمية ستفرض على الولاياتالمتحدة تعميق علاقاتها مع حلفائها الرئيسين، والحفاظ على أدوارها في المنطقة دون السماح لمزيد من الفراغات التي يتسلل إليها النفوذ الصيني. وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ، الأب لمبادرة "الحزام والطريق" قد أطلق عليها "رؤية القرن" لانطلاقة الصين العالمية. ومنذ انطلاق المبادرة، نفذت الصين مشروعات بنى تحتية في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية واسيا ودول اسيا الوسطى. المنافسة العالمية وكانت الصين تأمل تحقيق ثلاثة أهداف من المبادرة، أولها، تعزيز مركزها في النظام العالمي. وتعزيز منافستها للولايات المتحدة وزيادة قوتها التصويتية في الجمعية العامة بالأمم المتحدة في القرارات الاستراتيجية التي تشكل مستقبل العالم عبر كسب حلفاء جدد وتوسيع قاعدة أسواقها العالمية وإيجاد منافذ للبضائع الصينية في الخارج، وكذلك تملك موارد السلع الرئيسية والأراضي الزراعية في دول غير قادرة على تطوير هذه الموارد. ويتفاخر شي بأن الاقتصاد الصيني هو القوة العالمية الوحيدة التي تمكنت من الإفلات من الركود في 2020 بعدما فرضت جائحة كورنا على العالم الدخول في إغلاق وعرقلت الأعمال. وشهدت الصين تباطؤًا في النمو الاقتصادي بعد نموها السريع المكون من رقمين في أوائل القرن الحادي والعشرين. ويرى محللون وخبراء في الاقتصاد الصيني أن النمو السريع الذي حققته الصين خلال العقد الماضي جاء بتكلفة عالية من حيث التدهور البيئي في البلاد وتراكم الديون. وبإعلان فوز الرئيس الصيني شي بولاية ثالثة، فسيكون ذلك بداية حقيقية لتعدد القطبية في العالم.